إعــــــــــلان
أمام التحديات الجمة والتهديدات الوجودية المتعددة الابعاد التي تواجهها بلادنا على شتى الأصعدة وحرصا منا على أمن واستقرار الوطن، فقد قررنا توحيد الجهود ورص الصفوف بتشكيل قطب من القوى الحية المصممة على درء المخاطر الداخلية والخارجية والتصدي لها بغية حماية المصلحة العليا للبلد بإشاعة روح الإخاء والوئام بين كافة أبنائه عن طريق الدفع إلى التطبيق الفعلي لمبادئ العدالة والمساواة و والانصاف وتكافؤ الفرص.
و من اجل تحقيق هذا المسعى والغاية السامية، فيدنا ممدودة للجميع و صدورنا مفتوحة للنقاش و التشاور والتنسيق و الحوار مع الأحزاب السياسية وتشكيلات المجتمع المدني و الشخصيات المستقلة وقادة الرأي من أجل بلورة مقترحات مشتركة أو حلول توافقية لكافة القضايا الوطنية وصولا إلى تجسيد هذا الهدف المنشود على ارض الواقع.
انطلاقا من واقعنا المعاش، لا يفوتنا كذالك ان نشير إلى أن المعركة الحقيقية الجديرة بأن تخوضها الدولة و المجتمع في الوقت الحالي هي تلك المتمثلة في إزالة المظاهر الأليمة للظلم والفقر و التهميش والغبن و انعدام تكافؤ الفرص إلى غير ذالك من امراض مجتمعية كثيرة والناتجة كلها عن تراكم واستمرارية المقاربات والممارسات الموروثة عن السياسات الخاطئة، المبنية أساسا على الزبونية والتمييز وغياب الرؤية و الضمير الوطنيين، على غرار ما دأبت عليه الحكومات الموريتانية المتعاقبة و لعقود متتالية.
لا شك أن ديمومة هذا الواقع المتردي ولدت لدى الكثير من المواطنين الموريتانيين خيبة أمل متزايدة شكلت المحرك الأساسي لشعوره بالإذلال الذي قاد بدوره إلى مظاهر الغضب العارم وتنامي مشاعر الكراهية التي نحسها من خلال كهربة الجو من حين لآخر... لا شك كذالك أن لدينا كلنا مصلحة في أن يتعلم الجميع ويتعالج الجميع ويزول الفقر عن الجميع لنجعل من الجميع مواطنين منتجين وصالحين وليسوا عالة او بلوى على المجتمع؛ لكن ذالك لن يتأتى إلا بإرادة سياسية جادة و صادقة وعمل متقن ودؤوب من لدن كفاءات وطنية مؤمنة بتأمين مستقبل مزدهر لكافة اطياف ومكونات الشعب الموريتاني دون استثناء. لذا يجب علينا ان نعي جيدا أن مستقبلنا ليس ما سيحدث؛ و إنما هو ما سنعده من الآن من استعدادات و تحضيرات من أجل الولوج لآفاق ذالك المستقبل المنشود الذي يستمد ماء حياته ـ بالأساس ـ مما سيتم إنجازه لفائدة إعداد الأجيال الناشئة ليكونوا أبناء زمانهم. وبالنظر إلى ما عليه حالنا، فلا شك ان الطريق طويل ومفروش بالأشواك والمطبات وتتخلله الكثير من الأزمات. لكن الازمة تلد الهمة والهمة اقطع من السيف و قد لا يتسع الأمر إلا إذا ضاق؛ تيمنا بأقوال أحد اعلام الأمة.
حان الوقت إذا لنضع حدا لفترة التيه الكبير التي عاشتها بلادنا والتي ما فتئت خلالها تسقط وتتمزق ويخيب سعيها وتكرر نفس أخطاء الماضي بشكل دوري دون أن تتبصر او تستفيد من اخطائها او أخطاء وتجارب غيرها. لذا، تلزمنا وقفة تأمل و استنطاق ماضينا وحاضرنا بغية استخلاص الدروس والعبر وصولا لاستشراف المستقبل الخالي من ادران و زلات ومزايدات الماضي ...
نأمل أن يضع الحوار المرتقب موريتانيا على سكة جديدة قوامها دولة القانون والمؤسسات الحديثة، البعيدة كل البعد عن القوالب التقليدية الرجعية ـ من قبلية وجهوية وفئوية وعنصرية وكافة اشكال الخصوصية ـ التي شكلت وتشكل حتي اليوم مكمن التخلف و العائق الرئيسي أمام التقدم والنمو المنسجم لبلادنا. لن يستقيم الحال مطلقا دون القيام بالإصلاحات الضرورية في مجال الحريات العامة و في القطاعات الحيوية للدولة مثل المجال الزراعي و العقاري و مجالات التعليم و الصحة بالإضافة الى إصلاحات جوهرية في الهياكل الأساسية للدولة.
على الرغم من كثرة العراقيل و جسامة التحديات، فإن قطب التناوب يرى أن الظرفية الحالية تشكل فرصة سانحة قل نظيرها قد تمكن من تجاوز رواسب الماضي المنتنة نظرا لجو الوفاق الوطني الحالي وانعدام عوامل التوتر والتوتير والشد والجذب بين الفرقاء السياسيين والاجتماعيين؛ و إذا ما ضيعت فإنها قد لا تتكرر في المستقبل المنظور...
و كمساهمة منه في إثراء النقاشات خلال الحوار المرتقب، فإن قطب التناوب ليدعو إلى:
ـ مراجعة وتحيين الامر القانوني رقم 83 ـ 127 الصادر بتاريخ 5 يونيو1983 والقاضي بالإصلاح الزراعي والعقاري من اجل مواءمته مع مقتضيات القيام بإصلاح زراعي حقيقي وعلى نطاق واسع حسب المبادئ المعروفة : إعادة التوزيع العادل والفردي للأرض حسب مبدأ "الأرض لمن احياها" مع التأمين القانوني للملكية وتحصينها ببنود خاصة؛
ـ أتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لصالح الفقراء و المحرومين والمهمشين الذين لا يمكنهم تأمين قوتهم اليومي في ظل تفاقم ارتفاع الأسعار، كاستصدار بطاقات تموين أو دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأولية من مواد غذائية وكهرباء و غاز و ماء...إلخ؛
ـ تسوية الإرث الإنساني بشكل نهائي عن طريق المكاشفة ووضع الأوراق على الطاولة عن طريق نشر الدولة لكل ما تدعي أنها أنجزته حتى الآن مع إتاحة الفرصة للضحايا أو ذويهم للإدلاء بتظلماتهم و مآخذهم على كل ما تسبب لهم في ضرر و التزام الدولة بجبر كافة الاضرار التي يثبت عدم معالجتها حتى الآن؛
ـ القيام بتحقيق كمي ونوعي ،تحت سلطة الدولة و وبمشاركة المنظمات المختصة، من اجل تقدير حقيقة ظاهرة العبودية ومخلفاتها وتجلياتها؛
ـ إصلاح النظام التعليمي و إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية التي هي المنفذ الوحيد لتعليم أبناء الفقراء مع إنشاء مناطق مختارة للتعليم في المناطق الأكثر فقرا " آدوابه " مثلا؛
ـ إصلاح النظام القضائي و الإداري مع الصرامة في معاقبة الوكلاء الإداريين والأمنيين و القضاة المتهاونين او المتواطئين مع مرتكبي كافة الجرائم و بالأخص الجرائم ضد الإنسانية مثل ممارسة العبودية؛
ـ تمديد نظام التأمين الصحي ليشمل كافة المواطنين الموريتانيين ؛
ـ دراسة صيغ مختلفة من اجل وضع تشريع مؤسس على التمييز الإيجابي في بعض الميادين؛
ـ وضع برنامج خاص واستعجالي لصالح مئات الاف من الشباب غير المتمدرسين وبدون شهادات والذين هم ضحايا انهيار المدرسة العمومية و فقر ذويهم؛
ـ وضع خطة للتكوين المهني لصالح اصحاب المهن الصغرى و عمال القطاع غير المصنف مع فتح باب التمويل الخاص والعمومي امامهم؛
ـ ترقية سياسات السكن الاجتماعي من اجل تامين سكن لائق مجهز بالماء والكهرباء للفقراء واعطائهم فرص للتملك؛
ـ تعزيز الحريات العامة برفع الحظر عن تشريع المنظمات و الحركات ذات الحضور الجماهيري الطاغي على الساحتين السياسية و الاجتماعية.
نواكشوط بتاريخ 22 نوفمبر 2021
قطب التناوب