تسعي الاستراتيجية البحرية الشمولية الي ضمان تطوير متزامن ومتكامل ومنسق وفعال للعوامل الأربعة اللازمة لمزاولة أي نشاط اقتصادي او سياحي في الوسط البحري او شبه البحري والتي هي [العمالة، السفن، الموانئ، والثروة المستخرجة] وفقا للقوانين والنظم والمعايير الموحدة دوليا والمنبثقة من مبادئ العولمة الاقتصادية البحرية.
هذه النظرة الشمولية هي الطريقة الامثل لتمكين المواطن والدولة بصورة عامة من الاستفادة القصوى من الريع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الناتج عن استغلال ثرواتها البحرية سواء كانت سمك او غاز او بترول او حتى تبادل تجاري. كما انها ستمكنها ايضا من الوفاء بالتزاماتها كدولة لها سفن تحمل علمها )دولة علم( ودولة لها موانئ )دولة ميناء ( ودولة لها شواطئ ومياه داخلية واقليمية ومنطقة اقتصادية خالصة )دولة شاطئ ( وبالتالي يمكنها لعب دورها المدني في البحر كما ينبغي وبالكامل.
هذا الدور الذي أصبح متنوعا حيث يكون تارة تنظيميا وتارة إداريا وأحيانا تسييريا، وأحيانا أخري تنفيذيا وكذالك شرطيا. ففي الواقع تلعب الدولة عدة ادوار منها ما هو اقتصادي وسيادي ودفاعي بحيث تتداخل صلاحيات الإدارات المكلفة بتنظيم الأنشطة الاقتصادية من صيد بحري، وتربية أحياء مائية، ونقل بحري، وخدمات فنية بحرية، واستخراج نفط أو غاز، وطاقة بحرية، وسياحة مع صلاحيات السلطات العمومية المكلفة بالرصد والرقابة، وحماية البيئة البحرية، والسلامة البحرية، والأمن والإنقاذ مما يتطلب أحيانا جهودا مالية كبيرة لتنسيق الدور علي أكمل وجه قد تكون احيانا مكلفة لخزينة الدولة.
لترشيد وتنسيق وتفعيل ذالك الدور ولتفادي هذه الوضعية لجات معظم حكومات الدول المطلة علي البحار الي اتباع سياسات شمولية وموحدة في تسيير جميع الانشطة الاقتصادية البحرية سعيا منها الي تجميع جميع جهود الدولة المبعثرة بين العديد من القطاعات الوزارية والإدارات والمؤسسات العمومية المدنية ذات المهام البحرية المتشابهة والمتكاملة في إطار مؤسسي وحيد وقوي يعرف قانونيا وعمليا بانه “سلطة الدولة المختصة في الشؤون البحرية المدنية“.
مما سيسمح لهذه السلطة البحرية المختصة بالرفع من سعة قدراتها البشرية والفنية والمادية اللازمة للاستجابة لمتطلبات ومتابعة نظم ومعايير استغلال الثروات البحرية وتكنولوجيتها المتطورة يوما بعد يوم. كما سيمكنها ذالك من مسايرة الاعتمادات والتراخيص الممنوحة للشركات المهنية العاملة في مختلف انشطة الاقتصاد البحري مع ضمان اكيد بمتابعة ادارية منتظمة ورقابة صارمة وتنسيق أكثر فعالية لتسيير موانئها، واساطيلها، وجميع الأنشطة الاقتصادية المزاولة في مياهها الإقليمية والدولية. وبالتالي تتمكن الدولة من لعب دورها المدني في الوسط البحري بشكل متناسق وفعال يضمن مردودية أكبر على الاقتصاد الوطني وديمومة أكثر.
من أكبر العوائق التي مازالت تعيق تنمية نشاط الصيد البحري في بلادنا منذ أكثر من 40 سنة الي يومنا هذا هي ضعف القدرات البشرية والفنية والمادية لمعظم الادارات المكلفة بمهام التسيير والمتابعة الادارية المنتظمة والبحث العلمي والرقابة والتفتيش مع ضعف كبير في التنسيق بينها وبطيء شديد في اتخاذ القرارات المناسبة. كل ذالك يرجع الي تشتيت مجمل اليات تنفيذ الاستراتيجيات البحرية من موانئ ومؤسسات ومشاريع تمويل توجد تحت وصاية قطاعات وزارية اخري غير السلطة البحرية المختصة للدولة والتي ينص القانون البحري في مادته رقم 009 من مدونة البحرية التجارية بانها الوزير المكلف بالبحرية التجارية المعروف عندنا بمعالي وزير الصيد والاقتصاد البحري.
كما ادي تشتيت هذه الجهود الي كثرة المتدخلين وكثرة القوانين والتراخيص مما نجم عنه تداخلا في الصلاحيات العمومية يعيق احيانا تنفيذ بعض المهام الحساسة خاصة في مجال الكوارث والحوادث البحرية والتي يتطلب بعضها تدخلا سريعا وعملا منسقا وفعالا. تفاديا لكل هذه الكوابح التي تعيق تنمية كافة الانشطة الاقتصادية البحرية بشكل متزامن ومنسق أصبح من الضروري ان لم اقل من اللازم تفكير الحكومة جديا في ايجاد سياسة شمولية تسعي الي الرفع من مستوي اداء هذه السلطة البحرية المختصة في مواجهة التحديات الرئيسية التي تفرضها ادارة وتسيير شواطئها ومياهها الاقليمية ومنطقتها الخالصة.
ولكي تستطيع هذه السلطة الوفاء بالالتزامات الدولية خاصة في مجال الامن والسلامة والمحافظة على البيئة البحرية. وذالك من خلال اعادة جميع الادارات والموانئ والمؤسسات والمشاريع واللجان الفنية ذات صلة بالشؤون البحرية تحت وصاية هذه السلطة واعادة ترتيب هيكلتها بحيث تكون أكثر ديناميكية وعملية في اداء مهامها المتشعبة بشكل أكثر مردودية على الاقتصاد الوطني. ولكي كذالك تستطيع الحكومة تنفيذ بعض مواد برنامج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الرامية الي الحد من بطالة الشباب الموريتاني والرفع من مستوي الدخل القومي وتحقيق وتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلد.
من هذا المنطلق ينبغي ان لا تقتصر هذه المنتديات المزمع تنظيمها على فاعلي ومنهيي الصيد البحري والقطاع الوصي فقط بل ينبغي ان تكون فرصة سانحة للحكومة لإعادة النظر بجدية في رؤية جديدة شمولية اصبحت لازمة وضرورية في إطار العولمة الاقتصادية البحرية لتسيير جميع انشطة الاقتصاد البحري كالصيد والنقل والخدمات البحرية وكذالك الانشطة الاقتصادية المزاولة في الاوساط شبه البحرية كالنقل النهري والصيد القاري بشكل متزامن وأكثر تنسيقا وفعالية.
وبالتالي يجب استدعاء ومشاركة كل القطاعات والمؤسسات العمومية والخصوصية الفاعلة في المجال البحري او شبه البحري والمستثمرين الوطنيين والاجانب والمهنيين والخبراء الاقتصاديين والمانحين وبرعاية ومتابعة سامية من فخامة رئيس الجمهورية. لضمان بلورة رؤية واضحة المعالم تؤسس لنهضة اقتصادية بحرية شاملة تخرج البلد من دوامة البلدان النامية الي مصاف الامم المنتجة والمصنعة والمكتفية بثرواتها وقدراتها الذاتية.
المهندس والخبير البحري
سيدي محمد ولد محمد الشيخ