تُعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، من أكثر القضايا تأثيراً في المشهد الفلسطيني. فمنذ النكبة الفلسطينية عام 1948، دخل سجونَ الاحتلال أكثرُ من ثلث الشعب الفلسطيني.
تعدَّدت وسائل الدفاع عن قضية الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأخذت أشكالاً متنوّعة، وأنماطاً متعدِّدة، وفقاً للأهداف المُراد تحقيقها.
نفّذت المقاومة الفلسطينية عشرات عمليات الأَسر لجنود الاحتلال، ونجحت من خلالها في تحرير آلاف الأسرى، وما زالت حركة "حماس" تحتفظ بعدد من الجنود الذين أَسرهم جهازها العسكري، "كتائب القسام"، منذ نحو سبعة أعوام. وتَجري مفاوضات غير مباشِرة بين الاحتلال والحركة، عبر وسطاء عرب وأجانب، من أجل التوصُّل إلى اتفاق تبادل للأسرى، على غرار صفقة التبادل التي أُطلق عليها "وفاء الأحرار"، واحتفل الشعب الفلسطيني بذكراها العاشرة في 18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وتحرَّر بموجبها أكثر من 1000 أسير فلسطيني، من ذوي الأحكام العالية، وممّن أمضوا عشرات السنين في سجون الاحتلال، ومن أبرزهم يحيى السنوار، قائد حركة "حماس" في قطاع غزة، وأعضاء من قيادة الحركة، منهم، روحي مشتهى وتوفيق أبو نعيم وزاهر جبارين وحسام بدران وموسى دودين، وغيرهم عشرات القادة، من المستويَين السياسي والعسكري، ومن كلّ الفصائل الفلسطينية.
وفي إطار المفاوضات الجارية، تقدَّمَت حركة "حماس" بخريطة طريق من أجل التوصُّل إلى اتفاق تبادل الأسرى. ويبدو أن العائق الأبرز أمام إنجاز الاتفاق، هو طبيعة حكومة الاحتلال غير القادرة على اتخاذ قرارات صعبة، وتخشى تداعيات هذا القرار على استقرار الحكومة. وأدقّ وصف للحكومة الإسرائيلية الحالية أنها حكومة جمود، الأمر الذي يعني بقاء ملف التبادل متعثراً، وهو ما قد يدفع قيادة المقاومة إلى البحث عن خيارات ضاغطة على الاحتلال، منها تنفيذ عمليات أَسر جديدة. وهذا ما يخشاه جيش الاحتلال الإسرائيلي.
في السادس من أيلول/سبتمبر، تمكّن 6 أسرى، في سجن جلبوع العسكري والشديد التحصين، من تحرير أنفسهم عبر "نفق الحرية"، قبل أن يُعيد الاحتلال أَسرهم. وسبقت الحادثةَ محاولاتُ تحرُّر مشابهة، الأمر الذي يعكس تعدُّد خيارات تحرير الأسرى، وعدم الاستسلام لإرادة الاحتلال بشأن تغييب الأسرى خلف القضبان حتى وفاتهم.
يُدرك الأسرى، وخلفهم الشعب الفلسطيني، أن الوسيلة القادرة على تحريرهم، هي أَسر جنود الاحتلال، ثمّ تنفيذ عملية تبادل، علماً بأنّ اتفاقات التسوية مع الاحتلال لم تنجح في تحرير ذوي الأحكام العالية، ممّن نفّذوا عمليات أدّت إلى قتل جنود ومستوطنين.
على صعيد ظروف الأسرى داخل سجون الاحتلال، خاض هؤلاء الأبطال "معارك" شاقة، وبذلوا جهوداً مضنية، متسلِّحين بإرادة صُلبة في مواجهة ظروف الأَسر التعسُّفية، من أجل قهر السجّان، وإجهاض سياسات الإذلال، التي تهدف إلى كَسر إرادتهم، والنيل من معنوياتهم.
من أبرز الوسائل النضالية، والتي تسلَّح بها الأَسرى من أجل نيل حقوقهم الإنسانية، سلاحُ الإضراب عن الطعام، أو ما يُطلَق عليه معركةُ الأمعاء الخاوية.
ويلجأ الأسرى إلى وسائل نضالية أخرى، كالعصيان، الذي تتخلَّله خطوات احتجاجية، مثل إلقاء الملابس والأبراش (الأسِرّة) خارج غرف الأَسر، وإحراق الأمتعة، وغيرهما.
يسعى الأسرى لتحقيق عدد من المطالب، أبرزها: وقف سياسة الضرب والاعتداء عليهم، ووقف سياسة العزل الانفرادي، وإلغاء سياسة الاعتقال الإداري (اعتقال يمتدّ عدةَ أشهر، ويُجَدَّد ليصل إلى عدة سنوات من دون محاكمة أو توجيه تُهَم)، وتخفيض الاكتظاظ داخل غرف الأَسر، وإلغاء القيود المُذلّة عليهم، والسماح بإدخال المواد التثقيفية والقرطاسية، وتحسين ظروف زيارات أهاليهم، وغيرها من الحقوق والمطالب المشروعة.
نجحت تجربة الحركة الأسيرة، عبر تاريخها، في نيل عدد من حقوقها، وانتصرت على السجّان في أغلبية معاركها. ولم تَنَل سياساته من عزيمتها وكرامتها. ومن أبرز إنجازاتها: إدخال المذياع للسجون، وتنظيم فترات للتواصل الهاتفي بين الأسرى وأهاليهم، عبر هاتف عمومي، والتخفيف من الازدحام، وتحسين الإنارة والتهوئة، وتحسين مستوى الطعام، وغيرها من المكتسَبات.
تَجَلّت انتصارات الأسرى في ما تحقَّقَ مؤخَّراً، بعد أن خاض 250 أسيراً من أسرى "الجهاد الإسلامي" إضراباً عن الطعام، بدعم من كلّ الفصائل، بعد أن استهدفت إدارة سجون الاحتلال، منذ السادس من أيلول/سبتمبر الماضي، أي تاريخ عملية "نفق الحرّيّة"، أسرى "الجهاد الإسلامي"، من خلال نقلهم وعزلهم واحتجازهم في الزنازين، عدا عن نقل مجموعة من القيادات إلى التحقيق. ونجحت الحركة الأسيرة في تحقيق مطالبها، وإلغاء القرارات الإجرامية ضدهم.
في هذا السياق، نعرض أبرز محطات نضال الأسرى من خلال عشرات معارك الأمعاء الخاوية التي خاضوها، عبر تاريخ الحركة الأسيرة:
- إضراب سجن الرملة عام 1969، واستمر 11 يوماً.
- إضراب سجن عسقلان عام 1970، واستمر 7 أيام.
- الإضراب التاريخي لمدة 45 يوماً في سجن عسقلان عام 1976.
- إضراب سجن جنيد عام 1987، والذي استمرّ 20 يوماً.
- الإضراب الجماعي في كل السجون عام 1992، واستمرّ 15 يوماً.
- إضراب أسرى سجن عسقلان عام 1996، واستمر 18 يوماً، وكان مطلبهم النوم على فرشة إسفنج، بعد أن كانوا يفترشون البلاستيك، وتحقَّقَ مطلبهم.
- إضراب الأسرى في أيار/ مايو 2000، واستمر 6 أشهر.
- إضراب عام 2004، واستمر 18 يوماً.
- إضراب 17/4/2012: أمّا خلفياته، فبعد أن أسرت حركة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة جنديَّ الاحتلال الإسرائيلي، شاليط، أقرّت حكومة الاحتلال قانوناً سُمِّيَ "قانون شاليط"، تنفّذ، بموجبه، ما يُسمى "مصلحة السجون الإسرائيلية" سلسلةً من الإجراءات الإجرامية بحق الأسرى. وأعقبه إضراب تاريخي للأسرى الإداريين، ومن أبرزهم الأسير خضر عدنان، والأسيرة هناء الشلبي، والأسيران ثائر حلاحلة وبلال ذياب، اللذان أضربا عن الطعام مدة 75 يوماً. وأعقب ذلك إضرابُ 1500 أسير، حتى تحقَّقت مطالبهم في 14 أيار/ مايو 2012، وأبرزها: إلغاء العزل الانفرادي، وإلغاء "قانون شاليط".
- إضراب الحرية والكرامة، في 17 نيسان/أبريل 2017.
- إضراب 8 نيسان/أبريل 2019: "معركة الكرامة 2".
خلال أغلبية محطات النضال، التي خاضتها الحركة الأسيرة، عبّر الشعب الفلسطيني عن تضامنه معها، عَبْرَ المَسيرات والمقاومة الشعبية، في مختلف أشكالها. وأعلنت فصائل المقاومة أن المساس بالأسرى وحقوقهم، يعني إشعال المواجهة العسكرية مع العدو، إلى جانب تفعيل الأدوات الدبلوماسية عبر الوسطاء، من أجل تحميل الاحتلال المسؤوليةَ عن تبعات سلوكه ضد الأسرى.
وعلى الرغم من عدم ثقة الفلسطينيين بالمجتمع الدولي، ومؤسساته المتعددة، فإنّهم ينظّمون اعتصاماً أسبوعياً أمام مقر الصليب الأحمر في مدينة غزة، من أجل إيصال صوتهم ومطالبهم المشروعة، وتحديداً حقهم في زيارة أبنائهم.
ومن اللافت، ما صدر عن اجتماع البرلمان العربي مؤخَّراً، من مطالبة المقاومة الفلسطينية بأن تشمل صفقة تبادل الأسرى المقبلة، الأسرى العربَ في سجون الاحتلال، وهو ما اعتُبر ثقة بخيارات الشعب الفلسطيني، وانعكاساً لعجز الخيارات العربية الرسمية تجاه قضاياها الوطنية والقومية.
تعدّدت أساليب النضال الفلسطينية تجاه قضية الأسرى، وتراوحت بين الخيار العسكري لتحريرهم عبر صفقات التبادل، وهو الخيار الذي ثبت نجاحه، وبين خيار التحرر الذاتي عبر حفر أنفاق الحرية، بالإضافة إلى مطلب التحرُّر عبر مفاوضات التسوية (اتفاقية أوسلو)، والذي ثبت إخفاقه، إلى جانب العمل على تثبيت حقوق الأسرى الإنسانية، بعد سلسلة من معارك الأمعاء الخاوية، والمقاومة الشعبية المُسانِدة، والتهديد والتلويح بالتصعيد العسكري من جانب المقاومة، في حال استمرت معاناة الأسرى وحرمانهم من حقوقهم. وهذا الأسلوب تأكَّدَ نجاحه في أغلبية المحطات.