لقد برهنت تجارب النهوض والرقي في مختلف المجتمعات، وكذا الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية والتربوية أنه لا نهضة ولا رقي لأي مجتمع إلا بالانتظام الواعي في تراثه واعتماد لغته الجامعة في التعليم والإدارة مع العمل على ترقية لغاته الوطنية الأخرى التي تشكل مع اللغة الجامعة - إلى جانب الدين والعادات الحميدة - روافد شخصيته الوطنية ومقومات انتمائه الحضاري.
كما أنه لا يمكن لأي صاحب رؤية شاملة ومتماسكة أن ينكر أهمية تعلم اللغات الأجنبية، باعتبارها لغات انفتاح وتواصل مع الآخر، دون أن تكون لغات سيادة وتعليم وإدارة، وخاصة في مجتمع يمتلك لغة جامعة، فمثل ذلك يعدُّ من أخطر أشكال التفريط في أهم مقومات الشخصية الوطنية، كما أنه تنازل معيب عن كرامة وتضحيات الشهداء في سبيل التحرر، إضافة إلى كونه من الناحية التربوية يؤدي إلى نتائج كارثية وهو أمرٌ يكفيه من الأدلة الواضحة والبينة حصيلة عقدين وزيادة من تطبيق ما يعرف بإصلاح 1999.
لقد عاش أجدادنا في وئام وانسجام على هذه الأرض المعطاء، وقد ألف الإسلام بين قلوبهم، فكانوا إخوة في الدين والوطن، وكانت اللغة العربية ولا تزال هي لغتهم الدينية، وكانت ومن قبل قدوم الاحتلال الأجنبي هي لغتهم الجامعة التي ظلوا يحررون بها عقودهم ومعاهداتهم الداخلية والخارجية ويدونون بحرفها الشريف لغاتهم الوطنية (البولارية والسوننكية والولفية). ولا تزال إلى يومنا هذا محاضر الضفة شأنها شأن مثيلاتها في سائر أرجاء الوطن تشدو صباحا ومساءً بآي القرآن العظيم، وتتزين بحلقات الذكر، ومجالس الدروس الشرعية واللغوية الرفيعة، وينهل منها طلاب العلم من مختلف دول المنطقة.
واليوم، وقد أعلن عن انطلاق مشاورات حول إصلاح التعليم تتناول ضمن عدة قضايا مسألة لغات التدريس، فإننا نذكر كل المعنيين المباشرين بهذا التشاور، والسلطات العمومية، والفاعلين في الميدان التربوي، والرأي العام الوطني ببعض المخاطر الكبيرة التي يتسبب فيها التدريس بلغة أجنبية، ومن بين تلك المخاطر:
1 ـ أن التدريس بلغة أجنبية يعمق من حجم الفوارق الاجتماعية، ويجعل التعليم غير قادر على لعب دوره في الترقية الاجتماعية، ذلك أن التعليم بلغة أجنبية لا تستخدم داخل الأسرة، ولا في التعليم المحظري، ولا في الشارع، ولا في الأمكنة العامة سيفرض اللجوء إلى التعليم الخاص وإلى دفع أموال على الساعات الإضافية من أجل تمكين التلميذ من فهم تلك اللغة الأجنبية وفهم المواد التي تدرس بها، وتلك أمور ليست في متناول آباء التلاميذ المنحدرين من فئات هشة أو فقيرة؛
2 ـ أن كل التوصيات الصادرة من الخبراء ومن المنظمات الدولية المهتمة من قريب أو بعيد بقضايا التعليم ( اليونسكو، البنك الدولي ..) توصي بضرورة التدريس باللغة الأم؛
3 ـ أن التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية للمنتديات العامة للتربية والتكوين في فبراير 2013، والذي أشرف عليه خبراء وطنيون، قد أوصى بالتعليم باللغة الأم على جميع مستويات النظام التربوي؛
4 ـ أن بلادنا غير قادرة على توفير العدد الكافي من الأساتذة القادرين على تعليم المواد العلمية باللغة الفرنسية، ولقد أثبتت المسابقات الأخيرة حجم ذلك العجز. ثم إن الأساتذة الذين يُدَرِّسون المواد العلمية بلغة أجنبية يجدون صعوبة كبيرة في إيصال المعلومات بتلك اللغة، كما أن التلاميذ غير قادرين على استيعاب تلك المواد عندما تقدم لهم بلغة أجنبية فيجدون صعوبة كبيرة في تعلمها، ولعل النتائج المتدنية جدا جدا في اللغة الفرنسية لأصحاب الرتب الأعلى في باكالوريا 2021 لخير دليل على ذلك.
نظرا لكل ذلك، فإننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية لندعو إلى:
1- اعتماد اللغة العربية ـ بصفتها لغة وطنية جامعة – لغة للتدريس والإدارة؛
2- تدريس جميع المواد الأدبية و العلمية باللغة العربية في التعليم الأساسي و الثانوي، وجعلها هي اللغة الوحيدة لتدريس المواد الدراسية في المرحلتين الأساسية والثانوية، وتعريب ما يمكن تعريبه من شعب التعليم العالي والعمل على التنسيق مع البلدان العربية من أجل وضع خطة لتعريب شامل للتعليم العالي.
3- العمل على ترقية لغاتنا الوطنية وتدريسها في مختلف مراحل الدراسة.
4- تدريس اللغتين الفرنسية والانجليزية كلغات تواصل وانفتاح على الآخر.
والله ولي التوفيق