تضمنت المذكرة رقم: 010045 الصادرة بتاريخ: 15 سبتمبر 2021، تعيين غُرباء على قطاع الخارجية وعلى قطاع الوظيفة العمومية بشكل عام، وهو ما يشكل مخالفة صريحة ومباشرة للقوانين والمراسيم المنظمة للقطاع، وظلما جليا لأطره وموظفيه الذين هم الأبناء الشرعيون له، حيث تمت مصادرة حقوقهم في الترقي الوظيفي بدون وجه حق؛
وحيث إن وظيفة مستشار دبلوماسي بإحدى سفارات الجمهورية الإسلامية مُصنفة ضمن وظائف المصالح الخارجية التابعة لوزارة الشؤون الخارجية بنص المرسوم رقم: 61-073 الصادر بتاريخ: 19 أبريل 1961، المحدد لشروط القبول في الوظائف الإدارية المركزية والمصالح الخارجية للوزارة، ما يعني أنها وظيفة تأطيرية يخضع التعيين فيها للشروط الواردة في المرسوم رقم: 2008-185، الصادر بتاريخ : 1 دجمبر2008 المتعلق بوظائف تأطير الإدارة، خصوصا في مادته الرابعة التي تنص على أن رؤساء المصالح يعينون من ضمن موظفي الدرجة ( أ( المتمتعين بتجربة لا تقل عن سنتين في أسلاكهم أو من ضمن موظفي الدرجة )ب( الذين مارسوا وظيفة رئيس قسم سنتين على الأقل والمتمتعين بتقويم جيد، وأغلب من عُين في هذه المذكرة لم يسبق له أن كانوا رؤساء أقسام ولا مصالح بالوزارة ولا تربطهم بها أي صلة قانونية ولا ينتمون أصلا لقطاع الوظيفة العمومية كما أشرنا سابقا؛
وحيث إن حالات التعيين هذه لا تدخل ضمن الاستثناء الوارد في المرسوم رقم 2012-049 المكمل لترتيبات المرسوم رقم 2008-185 المتعلق بوظائف تأطير الإدارة الذي يحدد في مادته الأولى أنه جاء خروجا على ترتيبات المواد 3 و 4 من المرسوم رقم 2008-185، وحتى لو افترضنا جدلا دخولها فيه فإنها وإن استوفت الشروط المتعلقة بالشهادات العلمية، فإنها لا تستوفي بقية الشروط المتعلقة بممارسة وظائف غير دائمة في إحدى الإدارات العمومية، وكذلك توفر الشرط الأهم المتعلق بعدم وجود موظفين عموميين مؤهلين لشغل تلك المناصب بالتعيين فيه؛
وحيث إن هذا التعيين مخالف للمادة 5 من القانون رقم: 09-93، الصادر بتاريخ: 18/01/1993، المتضمن للنظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة، التي تنص علي أنه لا يمكن شغل مختلف الوظائف الدائمة إلا طبقا للشروط المقررة في هذا القانون ولم تستثن إلا الوظائف السامية (التي قد نتكلم عن ضوابطها لاحقا إن شاء الله) ووظائف التعاون التقني، مما يعني أنه لا يمكن إسناد الوظائف الأخرى لغير المنتمين للوظيفة العمومية، بل أكثر من ذلك نصت المادة 29 من نفس القانون على أن الدرجة هي المؤهل الذي يخول صاحبه إمكانية شغل إحدى الوظائف المقابلة، وهو ما يعني أن الوظيفة لا يمكن أن يُعين فيها إلا الشخص الحائز علي المؤهلات المنصوص عليها في كل فئة من فئات الموظفين المذكورة في المواد: 2 و 4 و29 وهذا ما يقتضيه المنطق وإلا لم تكن ثمة حاجة لتصنيف الفئات والأسلاك، ما دامت الوظائف المقابلة لتلك التصنيفات مستباحة من كل من هب ودرج، ولكان قانون الوظيفة العمومية عبثا، والحاصل أن سلطة التعيين في الوظائف المدنية في الدولة تنقسم إلي قسمين قسم من اختصاص رئيس الجمهورية وله سلطة تقديرية واسعة ولكنها غير مطلقة، فلا يُتصور أن يعين الرئيس جنديا أو ملازما كقائد للأركان، كما لا يمكن تعيين غير منتم للأسلاك التعليمية كمدير جهوي للتعليم، ولا يُمكن تعيين شخص من خارج سلك التعليم العالي كرئيس للجامعة أو عميد لإحدى كلياتها ….. ، وعلى ذلك فليقس ما لم يقل، أما القسم الثاني والذي ينطبق علي المذكرة الحالية فمن صلاحيات الوزراء، وسلطتهم فيه مقيدة بقانون الوظيفة العمومية ومراسيمه التطبيقية ولا شك أن تعيين لأشخاص من خارج القطاع مخالف لتلك النصوص جملة وتفصيلا؛
وحيث إن ولوج الوظيفة العمومية يكون فقط عن طريق اكتتاب في مسابقة وطنية، وهذا بالضبط ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 51 من القانون رقم: 09/93 والمعدل بالقانون رقم: 24/2015 المتضمن النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة، والتي تنص على أن “المسابقة هي الطريقة القانونية العادية لاكتتاب الموظفين، ويُعتبر كل اكتتاب لا يراعى هذه القاعدة لاغيا وعديم المفعول ويمكن سحبه في أي وقت”
وحيث إن التعيين في المناصب العمومية ينبغي أن يكون مترتبا على النجاح في مسابقة تحدد بواسطة اكتتاب عمومي، حسب ما جاءت به المادة 57 من النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين التي جاء فيها: “تقوم السلطة المختصة بتعيين المترشحين الناجحين لترتيبهم على القائمة الأساسية، ثم على القائمة التكميلية…”، وعليه فإن أي تعيين لأي شخص أيا كان في أي وظيفة دائمة لم ينجح مسبقا في مسابقة معدة لغرض شغلها يشكل خرقا سافرا لمقتضيات قانونية آمرة؛
وحيث إن هذه التعيينات جاءت مخالفة لمقتضيات المرسوم رقم 022-2007 المحدد للنظام الخاص لأسلاك وكلاء الدبلوماسية والقنصلية الذي يقرر في المادة 24 منه أنه يتم “ولوج أسلاك مجال التخصص طبقا لترتيبات النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة” وباحترام الشروط المتعلقة بالشهادات، والتي من ضمنها دون شك شهادة المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، كما أن هذه التعيينات جاءت أيضا مخالفة لنص المادة 13 من نفس المرسوم التي تحدد طريقة اكتتاب الموظفين في الأسلاك المنصوص عليها في هذا المرسوم بأنها تتم (بواسطة مسابقة أو امتحان مهني..)، ولو افترضنا جدلا أن هذه التعيينات تقوم مقام اكتتاب -وهو ما لا يستقيم- فإنه لا يمكن حسب المادة 14 من المرسوم 022-2007 (تحويل المكتتبين الجدد إلى الخارج إلا بعد أدائهم أربع سنوات على مستوى الإدارة المركزية) وهو الأمر الذي لم يتم احترامه في هذه الحالة أيضا؛
وعليه فهذه الإجراءات مشوبة بعيب المخالفة المباشرة للقانون وكان على الوزارة أن لا تصدرها أصلا، أو على الأقل أن تقوم بسحبها من تلقاء نفسها لما نُبهت بشكل مكتوب على عدم قانونيتها.
وقد بررت الوزارة قراراتها تلك بأن مثل هد التعيينات صارت أعرافا إدارية حيث جرى بها العمل لفترة طويلة بالوزارة، وأغفلت أن ذلك لا يعطي مثل هذه القرارات أي قيمة قانونية فمن المعروف أن العرف متى خالف نصا صار كالعدم.
كما أن قوانين الجمهورية المنشورة في الجريدة الرسمية سارية المفعول وواجبة التطبيق ما لم يصدر نص مساو لها أو أعلى منها ينص بشكل مباشر على إلغائها، وليس لوزير ولا لأي مسؤول حكومي آخر أن يتجاوزها بحجة أنها أصبحت قديمة ولم تعد تتماشى مع واقع الإدارة من وجهة نظره هو الخاصة، فمثلا المرسوم رقم: 61-073 الصادر بتاريخ: 19 أبريل 1961، المحدد لشروط القبول في الوظائف الإدارية المركزية والمصالح الخارجية لوزارة الشؤون الخارجية، والمرسوم رقم: 93-075، المنشور في العدد رقم: 808 من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ: 15 يونيو 1993، المحدد لشروط تنظيم الإدارات المركزية للوزارات، لا زالا ساريي المفعول، وليس للوزير أن يقوم بتعيينات لا تحترم ترتيباتهما بحجية قدمهما.
وأخيرا أشير إلى أنني أحتفظ لكل مسؤول بمقامه ومركزه الذي خصه به القانون، وأعتقد أن ذلك لا يمنع من التصريح بأن الإقالات التعسفية الترهيبية لا تعبر إلا عن ضيق الأفق، وليست حلا لمشاعر الغضب والإحساس بالغبن المتفاقمة في القطاع، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ.
لعمرُكَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها ولكنّ أخلاقَ الرجالِ تضيقُ
وكل كريمٍ يتّقي الذمّ بالقِرى وللخير بين الصالحينَ طريقُ
عبد الله حدو
دبلوماسي مهني / رئيس مصلحة المعاهدات بإدارة الشؤون القانونية سابقا