سيتعرض المقال للمحة موجزة عن حياة تيودور مونو ثم علاقاته بموريتانيا، و بالأخص مقترحه على حكومة البلد إنشاء محمية حوض آرغين سنة 1976 و دوافعه المعلنة في ذلك، مع إثارة تساؤلات حول تلك الدوافع و هل كانت علمية بحتة أم تخدم أجندة استعمارية غير مصرح بها، مع خاتمة تلخص ما تم تناوله في الفقرتين المنوه عنهما أعلاه.
نبذة مختصرة عن حياة تيودور مونو Théodore Monod
ولد تيودور مونو في 9 ابريل 1902 في مدينة روان الفرنسية من أسرة بروتستانتية، إذ كان والده و العديد من أجداده أساقفة. حصل سنة 1920 على شهادة الليسانس في العلوم الطبيعية من جامعة السوربون ليعين سنة 1922 مساعدا متدربا في " مختبر المصايد و المنتوجات البحرية الاستعمارية ذات المصدر الحيواني "، خوله هذا التعيين القيام بمهمة عن دراسة المحيطات و الحياة البحرية في بورت ـ أتيين (نواذيبو) و كان ذلك بداية علاقاته مع الصحراء.
نال الدكتوراه من جامعة السوربون في العلوم سنة 1926 تخصص الأحياء البحرية، و كذا شهادة في اللغة العربية من معهد الدراسات الشرقية و كانت تربطه علاقات قوية مع المستشرق الفرنسي الكبير لوي ماسينيون.
أنجز خدمته العسكرية في الصحراء الجزائرية ما بين 1928 ـ 1929 في وحدة للجمالة، مما مكنه من التعرف أكثر على الصحراء.
في إطار اهتمامه بالصحراء، اكتشف "ݣلب الريشات" في يوليو 1934. يعتبر مونو من كبار مستكشفي الصحراء في القرن العشرين.
تولى سنة 1938 إدارة المعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء Institut Français d’Afrique Noire (IFAN) بعد أن التحق به في نفس السنة. سير ما بين 1953 و 1964 عدة مهام لاستكشاف المجابات الكبرى بين موريتانيا و مالي. وقف ضد حكومة فيشي و استخدام القنبلة النووية من طرف الأمريكيين في هيروشيما و ناكازاكي، كما عارض حرب فرنسا في الجزائر، فكتب سنة 1960 : "...مع أني بعت جزءا من أنشطتي التفكيرية للدولة [ الفرنسية] فإنني لم أسلمها قلبي و لا روحي.."
تقلد العديد من المناصب العلمية، من بينها أستاذ فعميد لكلية العلوم في داكار ما بين 1957 ـ 1959، ثم عضو في أكاديمية البحرية سنة 1957 و أكاديمية العلوم سنة 1963.
توفي سنة 2000 في ضواحي باريس.
ترك العشرات من المقالات و الدراسات و الأعمال العلمية التي أنجزها منفردا أو مع بعض الباحثين.
تيودور مونو و موريتانيا
ارتبط تيودور مونو بموريتانيا منذ مطلع عشرينات القرن الماضي و حتى وفاته، أي قرابة ثمانية عقود قام خلالها بمهام استكشافية و أبحاث هامة، لعل أهمها كتابه الذي ألفه عن جزيرة أرغين سنة 1983 بعنوان :
L’ile d’Arguin, Mauritanie : essai historique
لشبونة، معهد الأبحاث الاستوائية، مركز الدراسات و الخرائط القديمة.
تعرض هذا الكتاب لتاريخ جزيرة آرغين من زوايا مختلفة: جغرافية، طبيعية، حفرية، تاريخية، إلخ. معتمدا على أرشيفات مختلف القوى الاستعمارية الأوربية التي سيطرت على الجزيرة: البرتغالبون، الهولنديون، الألمان، الإنجليز، الفرنسيون... و قد أهداه إلى روح صديقه البرتغالي الآميرال تيسيرا دا موتا Teixeira da Mota الذي ساعده كثيرا في الحصول على الوثائق التي كان يبحث عنها في الأأأأأرشيف البرتغالي.
من المآخذ على كتاب تيودور مونو الآنف الذكر أنه لم يهتم كثيرا بالأعداد المذهلة من السبايا من سكان الساحل الموريتاني الذين اختطفهم البرتغاليون إبان غزوهم و سيطرتهم على سواحلنا و باعوهم كعبيد في أوروبا و خارجها والذين ذكرهم أكثر من إخباري و مؤرخ برتغالي، و بالأخص زوراراZurara . فقراءة متأنية للكتاب و مقارنة ما ورد فيه عن هذه الأحداث مع ما ذكره زورارا و غيره من المؤرخين و الباحثين البرتغاليين ستخرج لا محالة بخلاصة مفادها أن تيودور مونو حاول أن يقلل من قيمتها التاريخية و صرف الأنظار عنها إلى مواضيع "علمية" أخرى.
ينسجم موقف مونو في هذا العمل مع تنظيره لإنشاء محمية حوض آرغين في منتصف سبعينات القرن الماضي لتكون مهمتها "حماية أنواع التراث المادي و اللامادي الثرية جدا"، و التي تعني عنده بالأساس، و حسبما طبق على أرض الواقع، حماية الطيور المستوطنة و المهاجرة و المحافظة على النظام البيئي و خلق الظروف المواتية لتكاثر مختلف أنواع الأسماك و الكائنات البحرية.
استطاع تيودور مونو إقناع حكومة الرئيس السابق المختار ولد داداه بفكرته حيث كانت هذه الأخيرة منشغلة في حرب الصحراء، فوافقت في 27 يونيو 1976 على إنشاء المحمية المذكورة، و استمرت تعمل وفق نفس الرؤية تقريبا و إلى يوم الناس هذا.
لقد آن الأوان أن يعاد النظر في الأهداف التي من أجلها أنشئت حظيرة حوض آرغين و نصوصها التأسيسية من أجل إبراز صفتها كموقع تاريخي و ثقافي و كأول مركز أنشأه البرتغاليون ليتم عبره نقل الآلاف من السكان الأصليين لسواحلنا و بيعهم كعبيد في أوروبا و الأمريكتيين.
بالتزامن مع ذلك، يتعين إنشاء نصب تذكاري في جزيرة آرغين في مكان الموقع المحصن الذي بناه البرتغاليون و الذي لا تزال بعض أطلاله قائمة و ذلك بهدف حفظ الذاكرة الجمعية لشعبنا و إلزام كل المواطنين و الأجانب المهتمين بقضايا الاستعباد، قديما و حديثا، بزيارته و التأمل فيه.
لقد تأخرنا أكثر من اللازم للقيام بذلك مقارنة مع دول مجاورة أقامت نصبا تذكارية لأحداث مماثلة عرفتها شواطئها؛ فعلى كل من الوزارة المعنية بالشأن الثقافي و المفوضية المكلفة بحقوق الإنسان أن تتحملا مسؤولياتهما كاملة و تدفعا باتجاه إنشاء هذا النصب التذكاري دون تأخير.
خاتمة:
مع أن تيودور مونو كان باحثا و شخصية علمية كبيرة، فإن ماضيه في خدمة المشروع الاستعماري يجعل من بعض آرائه و مقترحاته في بلدنا محل تساؤل، و خصوصا تلك التي تتجاوز الحيز العلمي البحت لتدخل في المجال الثقافي و الهوياتي لنا، كما هو الحال بخصوص فكرته إنشاء محمية حوض آرغين و اقتصار دورها على حماية الطيور و الوسط البيئي.
كذلك فإن صلات تيودور مونو بالبرتغاليين و علاقة كتابه المنوه عنه أعلاه ببعض المعاهد و المراكز البحثية في لشبونة جلية و واضحة و يثير ذلك أكثر من تساؤل، خصوصا أن البرتغاليين هم المسؤولون الرئيسيون عما لحق تاريخيا بسكان سواحلنا مما يمكن وصفه بأنه إبادة جماعية.
د. أحمد ولد المصطف