لما ذا لا يلعن فخامة رئيس الجمهورية الشيطان الذي أوقعنا في ورطة ظالمة قوضت وحدة وأمن واستقرار وطننا، وقسمت أهله نصفين، وفرقتهم أيدي سبأ في مهب الريح، في عالم عاصف مجنون.. ويأتي مواطنا إلى بيته؟
صحيح أن الجرح غائر، والخطأ فادح وشنيع!
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على النفس من وقع الحسام المهند.
ومع ذلك، فلا يوجد داء في هذه الدنيا إلا وله دواء، ولا خطأ إلا وله علاج! {والصلح خير}!
من سيشيح عنه بوجهه؟ أأخوه الذي لم تلده أمه بعد عشرة أربعين سنة، والذي يعلم علم اليقين أن موريتانيا فوق كل اعتبار، وأن تصالحهما واتحادهما من جديد هو بلسم جميع أمراضها؟ أم أخته ربة البيت؟ أم حماته أخت الفقيدة وجدة ابنته؟ أم ابنته المصابة والمفجوعة في خالتها العزيزة، وما آلت إليه الحال بين أبويها الصنوين؟ أم الأطفال الذين لا يزالون ينادونه إلى هذه اللحظة ابّبّ (Papa)؟ لا أحد طبعا من هؤلاء. وسيتعانق الرجلان من جديد ويذرفان قليلا من دموع الأسى والحسرة والندم، والفرحة أيضا! وستعود مياه موريتانيا الناهضة إلى العلى والنماء والازدهار والديمقراطية ومحاربة الفساد الحقيقي إلى مجاريها.. وتوأد الفتنة!
{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب ...}؟ وسيتحدثون مينا ونفاقا عن "محاربة فساد" هم أصله وفصله والمستفيدون منه؛ وعن "ملف بين يدي عدالة مستقلة". وهم يعلمون - قبل غيرهم وبعده- أن لا ملف... ولا استقلال ولا هم يحزنون! بل خرق سافر لدستور وقوانين البلاد، وانتهاك صريح ودوس لمؤسساتها التي يوجب الدستور حمايتها على رئيس الجمهورية.. وتزوير وتلفيق للأدلة، وخضوع وخنوع وتبعية للأوامر العليا!
سيكون هناك غالب واحد هو موريتانيا، ومغلوبون هم دعاة الفتنة والشياطين!
وفي تاريخنا المجيد أمثلة كثيرة على تحكيم العقل، وترجيح المصلحة العامة، وانتهاز الفرص لإصلاح ذات البين، ننتقي منها ما يلي:
1. الأمير المجاهد الشهيد بكار ولد اسويد أحمد (اگِّيَّ) رحمه الله قتل حلفاؤه أحد أعز أبنائه، فتداعت عصبته وحلفاؤها لنصرته، وحرضوه على حلفائه، وعسكروا معه. وبينما كان يعد العدة للهجوم النهائي على قتلة ابنه، وقف بين يديه الشاعر سيد أحمد ولد كَمْبُو وأنشأ مذكرا بالعداء المستحكم المعروف بين الأمير بكار وجزء من عشيرته وحلفائهم، وذاكرا أسماء مواقع المعارك الفاصلة التي دارت بينه وإياهم، وبأن هدفهم النهائي هو سلخه من حلفائه حتى يتسنى لهم الانفراد به والقضاء عليه:
لَحَّگْ لَغْلَ عَرْبْ اغْوَيْدِيتْ ** شِيخْ اجْمِيعْ إعِيشْ ابْگِدُّو
عَـــــــن ... هـُــومَ و...... ** وَاَهْـــــلْ ....... اعْـــــدُو
لاَ يَنـــــــسَ فَعْدَايْ الْمُبِينْ ** أوَسَـــــــــارْ أُتُورُگلِيــــنْ
إِدَوْرُ يقْضُ بِيهْ الدَّيْـــــــنْ ** مِــــــن جَيْشُ عَنُّ وإصِدُّ
أيَبْگَ گاعِـــدْ بَيْنَاتْ أَيْدِينْ ** ذِيكْ اجْمَاعِتْ لِعْدُ، وَحْـدُ.(1)
فما كان من الأمير بكار إلا أن أمر على الفور بانفضاض الجموع، وعفا دم ابنه الغالي عن حلفائه، فسلم من كيد إخوته الأعداء!
2. الأمير المجاهد أحمد سالم ولد اعلي ولد محمد لحبيب (بَيَّادَه) اعتدى أخوه الأمير أعمر - رحمهما الله- على فريق من حلفائه، فطلبوه وأدركوه وأثخنوه جراحا ومثلوا به، وهاجروا إلى تگانت. فكان من حكمة الأمير (بياده) أن عفا عنهم. ولم يزل يتودد إليهم ويدعوهم للرجوع إلى أرضهم وأهلهم. ولما رجعوا نصب خيمة للصلح معهم. ولما حضر جميع الفرقاء، وحضر أعمر متوكئا على رجلين، انتهز أحد شياطين النميمة والفتنة (آمگاريظ) الفرصة فسأل أحمد جكه ولد أمينُ شيخ الرحاحله قائلا بصوت عال: "أحمد جكه ما بال أعمر"؟ فرد عليه أحمد جكه بصوت أعلى وأوثق: "يظلع خابطين الرحاحلة"! عندها نهر الأمير "شيطان الإنس" ولعنه وأمر بإخراجه مدحورا من الخيمة. وتم الصلح نهائيا!
3. أرسل الرئيس المختار ولد داداه محققين إلى الأمير عبد الرحمن ولد اسويد أحمد (الدان) رحمهما الله، فسبب ذلك شقاقَ بينِهما، فبادر المختار إلى إصلاح ما فسد، فبعث وفدا رفيعا إلى الدان برئاسة رجل الدولة المحنك أحمد ولد محمد صالح أطال الله بقاءه!
علم الأمير بقدوم الوفد، فأمر بخروج جميع الرجال من الحلة، وذهب هو إلى حرثه حيث أمر بإعداد وجبة شعبية من "الخرفان وآدلگان" وارتدى دراعة من گاز الأكحل وجلس على "خبطة" في كوخ.
جاء الوفد إلى الحلة فلم يجد فيها رجلا، فاستعان ببعض الناس ليدلوه على مكان الدان. فلما اقتربت سيارة الوفد من الحرث، أمر الدان بأن يؤتى بالوجبة في المرجل، ففعلوا، فجعل المرجل بين ركبتيه، وبدأ في تناول وجبته. دخل الوفد وجلس على الأرض قبالة الأمير وسلم، رد الأمير السلام ببرودة، وواصل تناول وجبته الشعبية دون مبالاة. كان الوضع حرجا جدا! فما كان من رجل الدولة المحنك أحمد ولد محمد صالح إلا أن صعد إلى الخبطة وجلس أمام الدان ودلى يده في المرجل وبدأ يتناول معه وجبته الشعبية. فلما رأى الدان أن أحمد جاد في كسر الحواجز وإذابة الجليد. نفض يده من الطعام وقال: "أتفو يذا من لغسيلة" هيا بنا إلى الحلة! وانتهى الشقاق إلى الأبد!
بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو