الشيخ مهندس خريج إحدى مدارس المهندسين في الغرب، ما أهله للحصول على العمل بسرعة في إحدى أكبر مؤسسات التصنيع هناك وبراتب مريح!
المدينة التي يقيم فيها الشيخ وبها مقر عمله، لا يسكنها من الأفارقة غيره؛ لذلك كان جدوله اليومي مقتصرا على القيام بوظيفته أيام العمل، ومطالعة بعض الكتب والمجلات المتخصصة بعد عصر كل يوم، ثم التفرغ لمتابعة القنوات الإخبارية في المساء.
وفي عطلة نهاية الأسبوع يمارس هواية التزحلق على الثلج أحيانا.
أضحت الحياة مألوفة عند الشيخ ولم يعد يفكر في العودة للوطن، خاصة بعد أن ارتبط بإحدى زميلاته في الشركة!
لكنه مع ذلك ظل مواظبا على الاتصال بوالده شيخ محظرة الأسرة المسكون بحب التدريس وتتبع منابت الكلأ مع مئات القطعان التي يمتلك من الإبل والبقر!
موسى رغم أن تدريس طلابه والعناية بمحظرته والاهتمام بقطعانه، يأخذ الكثير من وقته، إلا أنه مع ذلك بقي حريصا على التمسك بمآثر آبائه والعناية بسمعة قبيلته والسعي في مصالحها، المهمة التي كان يريد من الشيخ أن يتولاها بدلا منه ليتفرغ هو لمحظرته وماشيته!
في كل مرة يتصل الشيخ على والده يكلمه الأخير في الموضوع ويحثه على الرجوع للوطن، ويستنهض همته ويذكره بمكانة الآباء ومآثر القبيلة!
فكرة كان الشيخ يرفضها بشدة، لكن مع إصرار الوالد، وملاحظة ما تنقله القنوات من معاناة منطقته وسكانها، رضخ الشاب أخيرا للطلب وقرر العودة إلى أرض الوطن وخدمة بلده عموما ومنطقته خصوصا من خلال ممارسة السياسة، والترشح للنواب، وتقديم الانتداب الانتخابي على الوجه الأكمل، خاصة بعد أن ساءه ما رأى من إهمال للمنطقة من طرف ممثليها في البرلمان!
اتفق الشيخ مع والده موسى على العودة للوطن والترشح للنيابيات..
قرار لم يأخذ موسى سيخ المحظرة المهاب الكثير من الوقت لإقناع القبيلة به؛ فتبنته بالإجماع، وهو ما سهل إقناع القبائل الأخرى به.
فتح الشيخ فور عودته ونجاحه في البرلمان مكتبا في المدينة لمتابعة شؤون الساكنة عن قرب واستقبال الطلبات والتظلمات والسعي في حلها..
خطوة ارتاح لها الجميع ورأى الناس فيها شيئا جديدا زاد من شعبية الشيخ وتكاثر الزوار عليه كلما قدم عطلة نهاية الأسبوع..!
الكثير ممن يزورون الشيخ في المنزل خلال عودته للمنطقة في عطلة الأسبوع ليست لديهم غايات متعلقة بالدولة..
هم في الغالب ينتظرون هدايا وأعطيات من الشيخ؛ خاصة، وأنهم هم من حملوه إلى البرلمان بأصواتهم ووفروا له فرصة ثمينة لينال مكانة مرموقة بين صناع القرار في البلد!
حاول الشيخ مواكبة الغايات الخاصة المتزايدة لناخبيه، رغم صعوبة الأمر، مستفيدا من رصيد العملات الصعبة الذي وفره من عمله السابق من ناحية ومن ثروة والده الكبيرة من ناحية أخرى!
لكن، مع الوقت وجد نفسه مضطرا للتخلف عن المنطقة أسبوعا ثم أسبوعين.. وفي كل مرة يزور المنطقة يزداد عدد الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة!
بعد فترة من التحمل أغلق النائب المكتب وغير رغم هاتفه المعهود، وقرر الاكتفاء بالاتصال هاتفيا بمسؤولي المنطقة ومعالجة القضيا التي يطرحونها عليه!
حكاية من وحي الخيال تروي دور المجتمع في إهمال البرلماني لدائرته، حسب رأيي!
فما رأيكم أنتم؟
حفظ الله بلادنا من كل مكروه وزادها رفعة ومنا ونماء
الديماني ولد محمد يحي