إن الإبتزاز الذي تتعرض له المملكة العربية السعودية من طرف قاطني "الكابيتول هيل" الحاليين وبمباركة غير مباشرة من "المؤسسة الحاكمة الفعلية " بالولايات المتحدة الإمريكية كان متوقعا... فبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي عام 1991 زال الخطر الشيوعي، الذي صاغ سياسات الولايات المتحدة منذ مابعد الحرب العالمية الثانية، حيث إنشغلت إدارة الرئيس كلينتون في الفترة ما بين 1992-2000 بدول أوروبا الشرقية من جهة وبمحاولة إحتواء إيران والعراق من جهة أخرى (ماكان يعرف بالإحتواء المزدوج)... وقد فشلت في توقع "مصادر الخطر" ،ولم تتمكن تلك الإدارة من صياغة إستراتيجية جديدة للشرق الأوسط لفترة مابعد الحرب الباردة.
* * * * * * * * * *
في 20 يناير 2001 وصل الجمهوريون إلى سدة الحكم، وذالك بعد غياب دام 8 سنوات، لم يكن بوش الإبن في البداية يملك سياسة واضحة تجاه الشرق الأوسط، ولكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تغير الحال، فقد ساهمت تلك الأحداث إلى حد كبير بصياغة سياسة تجاه الشرق الأوسط، وسعى بوش الإبن في إستراتيجيته الجديدة إلى "ضمان أمن" الولايات المتحدة عبر تجفيف منابع "الإرهاب" في ماوراء البحار وأعتبر أن "الإرهاب الدولي" هو العدو الأول الذي حل محل " الخطر الشيوعي ".
* * * * * * * * * *
في 8 نوفمبر 2002 ألقى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وليان بيرنز خطابا مهما في مجلس الشؤون العالمية في بلتيمور في ولاية ميرلاند قال فيه: << إن الحقيقة المجردة هي أن الشرق الأوسط الغارق في مستنقع النزاعات الداخلية يشكل تهديدا للشعب الأمريكي >>.
ويضيف متحدثا عن الإصلاح السياسي والإقتصادي في دول الشرق الأوسط : <<بالنسبة للولايات المتحدة من مصلحتنا العميقة تشجيع هذه التغييرات الهيكلية طويلة الأجل... تقع معظم هذه التحديات خارج سيطرتنا لكن لا واحدة منها تبقى خارج نطاق نفوذنا>> .
ماذا كان يقصد وليان بيرنز بقوله : << من مصلحتنا العميقة تشجيع هذه التغييرات الهيكلية طويلة الأجل..>> .
* * * * * * * * * *
يبدو أن السعودية لم تكن تظن يوما أنها سوف تكون ضمن المخطط الأمريكي الهادف إلى تغيير الأنظمة في المنطقة، بعد أن كانت فاعلا رئيسيا فيه.
فبعد أن بدأ هذا المخطط في إيران مرورا بكل من أفغانستان، والعراق، وليبيا، وقوفا الآن في سوريا، هاهو الدور يأتي على المملكة العربية السعودية، بعد أكثر من سبعين عاما من التحالف الإستراتيجي والتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
* * * * * * * * * *
هل خدع الأمريكيون السعوديين؟
بإمكاننا القول بأن أحفاد العام سام قد تمكنوا من خداع أبناء الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، حيث ساهمت سياسات المملكة في إنجاح تلك الخدعة، وذالك عن طريق إدخالها في صراعات و حروب مع جيرانها، وجعلها ممولا ماليا لما يسمى "حركات الإرهاب الدولي" وذالك حسب التعريف الإمريكي.
* * * * * * * * * *
كيفية تفادي السقوط و الوقوع في الفخ...
لا أظن أن تهديدات وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير التي أطلقها في نيسان (أبريل) الماضي بسحب الأموال السعودية من أمريكا، والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، قد وجدت من يأخذها على محمل الجد سواءا في البيت الأبيض أو مبنى الكونغرس، كما أنه من الصعوبة بمكان تنفيذها إذ بإمكان هذه الحركة " اليائسة " أن تشل الإقتصاد السعودي نفسه، والذي هو الآن في غنى عن هكذا أمر.
ما تحتاجه المملكة الآن هو إعادة هيكلة لسياساتها الداخلية والخارجية بشكل تام، وذالك مواكبة للمتغيرات الإقليمية والدولية، كما أن المسافة الفاصلة بين الشأن الداخلي والخارجي قد تقلصت كثيرا، وعلى ذالك الأساس يجب على النظام السعودي أن يبدأ بصياغة مشروع تطوير سياسي حقيقي، فذالك أفضل بكثير من الإكتفاء بمقاومة المشروع الأمريكي دون تقديم بديل، فليس بإمكان النظام السعودي مقاومة الضغط الخارجي في ظل غياب الدعم الداخلي (الشعب).
أما على المستوى الخارجي فعلى السعودية مراجعة سياساتها مع جيرانها خاصة الأقرب منها... كما أن محاولة إسترضاء اللوبي الصهيوني وإستمالته ماهو إلا نوع من تبعية من نوع آخر، وحتى لو تمت إستمالته والتحالف معه فإن ذالك لن يدوم... وذالك بسبب العقبات المتمثلة في عقلية المواطن السعودي المحافظ.
إن أفضل الحلول في هكذا وقت هو الحذو حذو تركيا " يلدريم " وإيران " روحاني " بتقليص العداوات والبدأ في المصالحات، ولم لا..!
إظهارا بأن العرب قد بدؤوا يفهمون التحولات الجيو-إستراتيجية في لعبة الإمم، طالما أن المصالح هي التي تحدد سياسات الدول.