بعد خلاف تحت قبة البرلمان حول مشاركة المؤسستين الأمنية والعسكرية في الانتخابات، اتفقت الكتل السياسية على منح العسكريين والأمنيين حق المشاركة في الانتخابات البلدية.
سيتم خلال الأسبوع المقبل على أقصى تقدير، وبناء على اتفاق الكتل السياسية، عرض مشروع قانون الانتخابات البلدية على النواب للتصديق عليه، مراعاة للآجال التي ضبطتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي اجراء الانتخابات البلدية في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرن الثاني 2017.
ويدافع بعضٌ عن مبدأ إشراك القوات العسكرية والأمنية في الحياة السياسية تكريسا للمساواة التامة بين المواطنين وإقرارا لحقوق مدنية وسياسية، ويراها آخرون معارضة لأحكام الدستور التونسي، الذي يشدد على الحياد التام للمؤسستين الأمنية والعسكرية.
العسكر.. نقطة خلاف
لقد تأخر البرلمان التونسي في التصديق على القانون الانتخابي، وتوقفت المحادثات حول مشروع القانون بسبب خلافات بين الكتل النيابية - أبرزها حق القوات المسلحة (الشرطة والجيش) بالتصويت.
وقد عارضت "حركة النهضة" مبدأ تصويت الجيش والشرطة، في حين دعم شركاؤها في التحالف الحكومي حزب "نداء تونس" و"آفاق تونس" ومعارضوها اليساريون، الأمر الذي دفعهم إلى التفكير بتأجيل الانتخابات إلى العام المقبل.
هذا، في الوقت الذي تبدي فيه الهيئة المستقلة للانتخابات تخوفها من مزيد تأجيل التصديق على القانون؛ ما يعني تأجيل موعد الانتخابات البلدية الذي كان مقررا في مارس/آذار 2017.
تسييس المؤسسات
من جانبه، أكد عضو الهيئة المستقلة للانتخابات نبيل بفون أن مشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات البلدية مسألة سياسية بامتياز؛ مؤكدا أن الحسم في هذه المسألة يعود إلى نظر السلطة التشريعية، وألا دخل للهيئة في هذا الشأن إلا من الناحية التقنية واللوجستية.
ويقاسم القيادي في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" سمير بن عمر هذا الرأي، إذ أوضح في تصريحه لـ RT أن تونس تمر بمرحلة انتقالية، وإعطاء الحق إلى الأمنيين والعسكريين في الانتخاب خلال الانتخابات البلدية المقبلة قد يعطل مسار الانتقال الديمقراطي، خاصة في هذه المرحلة الحساسة، التي بجب فيها النأي بالمؤسسات الأمنية والعسكرية عن الحياة السياسية لضمان التزامها بالحياد.
بدوره، انتقد المحلل السياسي هشام حاجي في حديثه إلى RT مشاركة "حاملي السلاح" في الانتخابات البلدية والانتخابات عموما لسببين: أولهما هشاشة التجربة الدمقراطية، الذي يستدعي تجنيد التونسيين للحفاظ عليها بدلا من الدخول في تجارب قد تنعكس سلبا على السلم الاجتماعي والسياسي.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى الحاجي أن من المفروض على القوات الحاملة للسلاح الابتعاد عن السياسة من منطلق واجب الحفاظ على الولاء للوطن والمؤسسة التي ينتمون إليها؛ مبررا قوله بأن الانتخابات هي مسألة اختيار وانحياز إلى طرف دون آخر. وبالتالي، فقد يؤدي هذا "الانحياز" إلى ضعف الولاء والانتماء إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية والزج بها في أتون الأجندات السياسية.
مبدأ المساواة
أما جوهر بن مبارك، الناشط السياسي والحقوقي والأستاذ في القانون الدستوري، فأكد في حواره مع RT أن عدم منح العسكريين والأمنيين حقهم الكامل في الانتخاب (الانتخابات التشريعية، الرئاسية) هو أمر مخالف للدستور، لكنه استطرد بقوله إنه يتفهم المسألة من منظور الماضي المظلم للحياة السياسية في تونس خلال الأنظمة السابقة.
وأبدى محدثنا ترحيبه بتوصل لجنة التوافقات في البرلمان بعد مخاض عسير إلى منحهم هذا الحق على قاعدة المساواة بين المواطنين، وبصورة استثنائية منحه للأمنيين من دون العسكريين.
وأشار جوهر بن مبارك إلى أن هناك نزعة عالمية نحو إشراك المؤسسات الأمنية والعسكرية في الانتخابات البلدية والمحلية، لأن هذه الانتخابات تهم مشاغل مواطني الدولة. والأمنيون والعسكريون هم مواطنون بدرجة أولى، ولا بد من تمتعهم بحقوقهم كافة التي يكفلها الدستور.
من جانبه، رأى رئيس جمعية "عتيد" معز بوراوي أن البرلمان التونسي يناقش أمرا محسوما دستوريا، حيث يكفل دستور الجمهورية الثانية حق الانتخاب للمواطنين كافة من دون استثناء بما في ذلك الأمنيون والعسكريون، وهو ما تخوله أيضا المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها تونس.
وأضاف أن الأمنيين والعسكريين مطالبون بالحياد التام لدى أدائهم مهماتهم وعند حملهم السلاح وارتدائهم البزة الرسمية، وما عدا ذلك، فإنهم مواطنون يمارسون حقوقهم كغيرهم من التونسيين على غرار القضاة والإعلاميين وعديد المؤسسات المطالبة بالالتزام بالحياد في اضطلاعها بمهماتها.
تونس من دون مجالس بلدية
ومنذ ثورة يناير 2011، لم تتشكل في تونس مجالس بلدية ومحلية وذلك بسبب عدم التصديق على قانون ينظم الانتخابات المحلية.
وقال رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس شفيق صرصار إن تأخر التصديق على قانون الانتخابات البلدية سيكون كارثة على البلاد، التي تعيش من دون مجالس محلية وبلدية منذ نحو 5 سنوات.
وأكد صرصار في تصريحات صحفية أن المصالح الحزبية الضيقة ساهمت في تأخير التصديق على قانون الانتخابات البلدية، ما يعني إمكانية تأجيل الانتخابات المحلية خلال العام الحالي؛ داعيا الكتل النيابية والأحزاب إلى الإسراع في بت القانون الانتخابي قبل نهاية شهر فبراير/شباط المقبل.
إن إعطاء حق التصويت للأمنيين والعسكريين في الانتخابات بتونس سيبقى محل متابعة، وذلك لارتباطه بنزع الثكن "جبة الحياد" والدخول في تجربة "الحياة السياسية" لأول مرة منذ استقلال البلاد.