عام 2020 كان عاما صعبا جدا بلا شك، بل كان الأصعب والأقسى على العالم بأسره واقتصاده الذي شلت أركانه واهتزت أساساته بسبب جائحة كورونا كوفيد - 19. قدر الصندوق الدولي انكماش الاقتصاد العالمي عام 2020 بنحو 4.4 في المائة ما يعادل 3.7 تريليون دولار، ونسبة الدين العالمي من الإنتاج المحلي الإجمالي بلغت 365 في المائة. لعل الأرقام السابقة منفردة لا تعبر عن حقيقة الأزمة العالمية التي أطبقت على الجميع، وعليه أعتقد أن القياس هنا على وقائع وأحداث عالمية سابقة ومقارنة تبعاتها وأثرها بالأرقام هو أجدى الوسائل وأجلاها بيانا. لمعرفة حجم الضرر الذي أصاب الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا، فلنقارنها بالأزمة المالية العالمية عام 2008، التي انكمش فيها الناتج العالمي نحو 1 في المائة، وهو ما يعادل 1.1 تريليون دولار، ما يعني أن ضرر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي يتجاوز ثلاثة أضعاف ضرر الأزمة المالية العالمية.
النفط لم يكن في منأى من عاصفة كورونا المدمرة، فقطاع النفط كان الخاسر الأكبر والأكثر تضررا بين القطاعات الأخرى في عام 2020، بل كما ذكرت سابقا أن خسائره لا تقارن بأحداث عالمية جوهرية، مثل أزمة الأسواق الآسيوية، وكذلك الأزمة المالية العالمية. في أزمة الأسواق الآسيوية عام 1997، انخفض الطلب على النفط بنسبة 5 في المائة التي تعادل ثلاثة ملايين برميل يوميا، بينما انخفض الطلب على النفط بما يقارب 6 في المائة في الأزمة المالية العالمية، بواقع خمسة ملايين برميل يوميا.
في عام 2020 انخفض الطلب على النفط بصورة حادة، حيث بلغت نسبة انخفاضه نحو 22 في المائة، ما تعادل 23 مليون برميل يوميا، بسبب الجائحة التي تسببت في شلل اقتصادي عالمي، وإقفال جزئي أو كلي في جل دول العالم، ما أدى إلى تراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره ووصوله إلى أرقام تاريخية. عندما نتحدث عن أسواق النفط العالمية فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز السعودية ودورها القيادي في ضبط إيقاعها، وحمايتها من التقلبات التي يتعدى ضررها المنتجين ليصل إلى المستهلكين كذلك، وهذه سياسة إنتاج البترول السعودي وروحها.
ما قامت به "أوبك" وحلفاؤها بقيادة السعودية والأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة للتعامل مع هذه الأزمة الاستثنائية، هو عمل استثنائي يشار إليه بالبنان، وأنموذج حقيقي للتعامل مع الأزمات وإدارتها، فإلى أين ستأخذ السعودية أسواق النفط؟ في نيسان (أبريل) الماضي وصل سعر برميل خام برنت إلى 19.3 دولار للبرميل، وبفضل من الله ومن ثم بفضل التعامل الأمثل مع هذه الأزمة وبتعاون الجميع تقريبا في خفض الإنتاج من داخل "أوبك" وخارجها، وما قامت السعودية من جهود بطريقة القيادة بالقدوة مطلع عام 2021 بخفض طوعي للإنتاج بواقع مليون برميل يوميا لمدة ثلاثة أشهر. حتى وقت كتابة هذا المقال تجاوز سعر خام برنت 68 دولارا للبرميل، ما يعني أن الإجراءات الفاعلة التي تم اتخاذها والجهود المميزة أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بنحو 253 في المائة، وهذا نجاح كبير ومبهر، ولا أصدق من لغة الأرقام. أعتقد أن السعودية كانت وما زالت وستبقى صمام أمان أسواق النفط، وستأخذها دائما إلى بر الأمان بكفاءة وحصافة بعد توفيق الله.