إن اتفاق دكار وانقلاب الأربعاء 06 أغسطس 2008 الذي تمت معارضته من القائد المساعد لأركان الجيوش العقيد المتقاعد أعل فال وجميع قادة الوحدات العسكرية داخل البلاد، والجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية والتي إلتحق بها لاحقا حزب تكتل القوى الديمقراطية، والسواد الأعظم من الشعب الموريتاني، عاد الحديث هذه الأيام عن عدة أمور تتعلق به بعيدة عن الواقع وعن الظروف التي تم فيها.
فهذا الإتفاق بموجبه خرجت بلادنا من أزمة سياسية قوية وتاريخية، كادت تكون لها انعكاسات سلبية على السلم الأهلي فيها.
وبما أنني شاهد على بعض القضايا ذات الصلة بهذا الملف السياسي التاريخي الهام، أود الإدلاء بما لدي من معلومات، إنارة للرأي العام، وإزالة لأي لبس نظرا لكون الحقيقة تظل ناصعة مهما علاها من غبار، ومهما تمت محاولة طمسها.
لقد أعلن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز تخليه عن السلطة في 16 بريل 2009 ، وذلك عقب الإنقلاب العسكري الأبيض ضد الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، حيث تخلى ولد عبد العزيز عن السلطة تمهيدا لمشاركته في الانتخابات الرئاسية التي قرر حينها تنظيمها يوم 06/06/2009 والتي كان شعارها (06/06 خط أحمر... سيدي ولد الشيخ عبد الله خط أحمر) بدعم من الكتيبة البرلمانية ومن الزعيم الليبي الراحل ورئيس الاتحاد الإفريقي حينها المرحوم معمر القذافي وآخرين.
وبالتزامن مع ذلك، باشر الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني مسؤولية قيادة المجلس الأعلى للدولة يومها كان قائدا لأركان الجيوش، فباشر مسؤولياته العسكرية والأمنية والسياسية في يوم 17 ابريل 2009.
تبعا لذلك ونظرا للعلاقة التي تربطني به، فقد كلف في نفس اليوم العقيد المتقاعد لاحقا محمد الأمين ولد الشرفه بالإتصال بي، حيث التقينا في مقاطعة لكصر على شارع الملك فيصل أمام الحي السكني لضباط الحرس الوطني. وأبلغني ولد الشرفه رغبة الفريق محمد ولد الغزواني حينها في لقائي، وقدم لي رقم هاتفه الخاص، حيث اتصلت به وحدد لي موعدا بعد صلاة الظهر، فالتقينا في مكتبه داخل قيادة الأركان، لقاء زاد على أربع ساعات، فطلب مني النصح والتشاور في شأن ما يجب فعله لتفادي الأزمة السياسية الخطيرة، ومن بين ما توصلنا إليه تغيير لون أحد الخطان إلى أخضر أو تغييرهما معا، حيث كلفني بالإتصال بالرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لتهدئة الوضع ومحاولة إنقاذ البلد من مخاطر قد لا تحمد عقباها. وتبعا لذلك غادرت نواكشوط متوجها إلى بلدة لمدن، حيث كان حينها المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله تحت الإقامة الجبرية، ودخلت معه في نقاش حول وضعية البلد والمخاطر المحدقة به. وكان رحمه الله خلوقا لطيفا، يحب بلده وشعبه، ومؤمنا بالله والقدر خيره وشره، واتفقنا على التهدئة والسعي لإيجاد مخرج مشرف للجميع من تلك الأزمة، ومن بين ما قال لي رحمه الله أنه اتخذ قرارا بإقالة كل من: ولد عبد العزيز ومحمد ولد الهادي وفيلكس نكري وأحمد ولد بكرن، ولم يكن ينوي إقالة قائد الجيوش محمد ولد الغزواني بل منحه إذنا مدة ثلاثة أيام بموجبه غادر العاصمة إلى "ادويراره". لكن في الساعات الأخيرة، أقنعته إمرأة مسؤولة في الدولة وربما الحزب الحاكم، بإقالة قائد الجيوش مع الجماعة في وقت واحد، ففعل.
وغادرت "لمدن" عائدا إلى نواكشوط، لتبدأ الأمور بعد ذلك اللقاء تتجه إلى ما سمي لاحقا باتفاق دكار. بعد ذلك بأيام دعاه الرئيس السينغالي السابق عبد الله واد، والذي كان له دورا مع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي في الإتفاق لزيارة دكار، وأعلن أن الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سيتوجه إلى العاصمة السينغالية.
فعدت للمرة الثانية إلى قرية "لمدن" وأقنعت الراحل بعدم التوجه إلى دكار، فأبلغ ناطقه الرسمي حينها أحمد ولد صمبه القيادي في حزب التحالف الشعبي التقدمي بالقرار وطلب منه إعلانه، لأنه كان معنا في "لمدن" نفس الليلة. ليتم بعد ذلك الاتفاق في دكار على حل سياسي للأزمة انطلاقا من مبادرة وطنية نابعة من الحرص على مصلحة البلاد وبالدور الوطني لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في نزع فتيل الأزمة. وذلك عائد إلى دوره المحوري في كل الحراك الذي تم في البلاد من أجل إنقاذها، حيث كان له الدور البارز في نجاح الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في انتخابات 2007 ضد الرئيس أحمد ولد داداه، كما كان له الدور المتميز مع صديقه ورفيق دربه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في ثني الرئيس المرحوم أعل ولد محمد فال عن توجهه نحو ما سمي حينها "البطاقة البيضاء"، كما كان له أيضا دور قوي في الانقلاب على الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وفي التحضير لاتفاق دكار ونزع فتيل الأزمة حتى وصل إلى الحكم، إثر انتخابات ديمقراطية شفافة، حصل فيها على أصوات أغلبية الشعب الموريتاني وتم قبول نتائجها من طرف جميع المتنافسين والعالم أجمع.
واليوم يقود البلاد بخطى صلبة إلى استقرارها وإزدهارها والتجديد والإصلاح بقوة في غير عنف ولين في غير ضعف، وذلك رغم كونها بين مطرقة عشرية رحلة الشتاء والصيف وحوارات تعنت وعناد، وسندان جائحة كوفيد 19 وموجاتها وانتشار سلالاتها، بتداعياتها الصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية.
وإحقاقا للحق إرتأيت أن أدلي بهذه الشهادة، والله على ما أقول وكيل.
والله ولي التوفيق.
بتاريخ: 2021/02/11
الناشط السياسي الحضرامي ولد دداهي ولد أحمد الطلبه