يرتبط الموظف وأبناؤه بشكل لا إرادي بالجمهورية ونظامها وعشق تفاصيلها، وكواليسها وخلفيات الشخصيات الاعتبارية الوطنية، فبالتراكم الوظيفي تكمن العقيدة وتنمو شيئا فشيئا، ذلك أن المواطن الصالح هو الذي تربى منذ نعومة أظافره على حب الوطن من خلال المدرسة الجمهورية للتربية والتعليم؛ حيث المساواة، وغياب التفاوت الطبقي، بفرض الزي المدرسي الموحد و التركيز على مهمة التحصيل المعرفي واكتشاف المواهب في وقت مبكر وتطوير المهارات، وبناء شخصية الطفل الإطار والعمل عليه من أجل نيل مكانة القدوة، وبث روح التنافس الإيجابي و الشريف.
إن العقل الجمهوري يجب أن يكون حريصا على مراعاة كل ما هو جامع وقابل لأن يكون مشتركا ومتوارثا و العمل قدر المستطاع على غياب شخصنة القرارات و الرؤية الفردية، كما يجب أن لا تكون السلطة الحقة طرفا مع أي جهة من الأطراف المتنازعة على السلطة و النفوذ، بقدر ما يجب أن تكون منصفة وعادلة ومظلة فوق الجميع ومطرقة تصطدم بأي محاولة حتى لا أقول التجاوز والخروقات، وفق القوانين الوطنية المعمول بها، وإعادة الثقة للعدالة وتسريع مسطرة التقاضي بالمزيد من الغرف المتخصصة وإشاعة ثقافة القانون بين المتنازعين.
كما أن الحضور السياسي و استغلاله لاحتياجات الضعفاء والمتخلفين وتصوير البأساء و الضراء لصالح الأعمال الخيرية و الاجتماعية، لن يختفي إلى ب"تسونامي" من التنمية الاجتماعية الشاملة ومركزتها لضمان استفادة الكم و النوع المطلوبين دونما منة ولا استغلال، لأن الواجب والحقوق تفرض ذلك ليس إلا!
دون أن أتناسى ضرورة التوقف عن فرض السياسة على البسطاء وقهرهم بتحمل القيادة، لأن فن الممكن يتطلب الحس السياسي، والتجربة المجيدة والقدرة على فك وتحليل طلاسم الواقع والقدرة على تغييره واستشراف المستقبل بسلاسة وهدوء.
وبما أن خدمة المواطنين وخاصة الضعفاء تعني التفكير بالوكالة وانطلاقا من مبدأ أن لكل منطقة من العالم خصوصيتها، إلا أن المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء " تآزر" الحديثة حري بها التفكير في بناء تجمعات سكنية للمواطنين وإنْ بتأجير مناسب، أو بيع بأقساط، من أجل محاربة التمدد الأفقي للمدن و العمل على بناء المساكن العمودية لما فيها من استغلال صالح للأراضي وضبط للأمن وتوفير لتكلفة الكهرباء، وتعزيزا للحمة الاجتماعية، في حالة ما إن نجحت "تآزر" فعلا في تأمين 620 ألف شخص من المواطنين من ذوي الدخل المحدود و المعدوم الجاري تنفيذها حاليا.
فإذاما توفرت هذه المقترحات أو جلها مع موضعيتها، انطلاقا من أن الأمل هو القاعدة، والقمة هي التحقق التدريجي للإنجازات العمومية التي تتساوى فيها غالبية المواطنين، وفي مرحلة أكثر تقدما لكل سكان البلاد، فإن المواطنة ستتعزز والثقة في السلطة العادلة ستعود لهيبتها المفترضة، فضلا عن احترام الموظف الحكومي بوصفه يعمل وفق إيمان صادق بالإتقان ويكفيه أنه موظف صالح ويستحق المكانة التي تبوأها بكل جدارة ولا يخشى على مستقبل أبنائه بفضل التعليم الوطني الجاد و فرص التشغيل المتاحة والمتنوعة بفعل تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص و التي يجب أن تتماشى وفق الاحتياجات كما وكيفا.
فهل يا ترى ستراعي سياستنا العامة كل هذه المسلمات خلال قابلات الأشهر والأعوام القريبة؟
أم أننا سنبقى في تضيع مستمر للوقت وغياب للوطنية بل والإنسانية حتى لا أقول أكثر؟!
بقلم: الصحفي سيد أمحمد أجيون