إن سنة 2020 تفرض نفسها كسنة تامل و مراجعة على كافة الصعد لمسار بلدنا الذي بلغ سن النضج، بعد مضي ستة عقود على استقلاله، و بشكل خاص في مجال التعليم.
فإثر سلسلة طويلة من "الإصلاحات" التربوية: 1966، 1973، 1979، 1999، دون أن نصل إلى نتائج مرضية، أصبحت منظومتنا التعليمية في مأزق حقيقي.
يتجلى ذلك، من بين أمور اخرى، في ضعف المستوى اللغوي للمدرسين الذين توكل لهم مهام تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية و انعكاس ذلك على استيعاب التلاميذ و الطلاب لمحتوى تلك المواد، مما ينجم عنه ضعف لغوي و تدني في المستوى يرافق التلميذ طيلة مساره الدراسي و يعد تخرجه.
و مع أن التلاميذ و الطلاب عادة ما يستعيضون عن الفهم بالحفظ، في بعض المواد، ليتمكنوا من تقديم إجابات تقريبية في الاختبارات و الامتحانات، إلا أن تلك الطريقة لن تسعف من يلجون الحياة المهنية لتبدأ المستويات تنكشف على حقيقتها: ضعف الأداء و قصور في الفهم و مردودية أقل في كافة المجالات.
لقد حسم دستور 1991 موضوع اللغة حيث أصبحت العربية هي اللغة الرسمية للبلد، كما اعتبر نفس الدستور أن اللغات الوطنية هي العربية، البولارية السوننكية و الولفية، لكن لم يواكب هذا الوضع اللغوي الذي أقره الدستور إصلاحا تعليميا يجسده على أرض الواقع. و على العكس، كان إصلاح 1999 مخالفا في جوهره لنص الدستور.
فهذا الإصلاح لم يتم التشاور المطلوب بخصوصه، فجاء مرتجلا و يحمل معه بذور الفشل، لسبب وجيه و هو عدم إمكانية تطبيقه عمليا، لأن التلميذ لا يمكنه أن يستوعب و يفهم بشكل صحيح محتوى نصف المواد المقررة تقريبا، في ظل ضعف مستوى المدرسين في اللغة الفرنسية المشار إليه آنفا.
للخروج من عنق الزجاجة اللغوي الحالي و إخفاق منظومة التعليم في مهامها الأساسية، تتطلب جدية الموضوع و ارتباطه بمصير البلد الشروع في إعداد إصلاح تربوي جديد تكون أهم ملامحه:
1 / إقرار اللغة الرسمية التي نص عليها دستور البلد كلغة للتدريس و الإدارة باعتبارها الأكثر استخداما و الأقدر على القيام بذلك، و ذلك عقب إجراء تشاور موسع بين مختلف الفاعلين التربويين و السياسيين و المجتمع المدني بهذا الخصوص، حتى يستوعب الجميع ضرورة أن تدرس المواد الأدبية و العلمية بلغة موحدة و تكون هذه اللغة مفعلة في جميع الإدارات؛
2 / خلق إطار لتثمين و تفعيل دور اللغات الوطنية الاخرى: البولارية، السوننكية، الوولفية، بوضع تصور لتجريب تدريسها و استخدامها في الإدارة، و بالأخص في قطاعي الصحة و العدالة، إلخ.؛
3 / تحديد لغة / لغات الانفتاح المفيدة لمنظومتنا التربوية على المديين المتوسط و البعيد من بين اللغات العالمية الأكثر استخداما (الفرنسية، الانجليزية، إلخ.)؛
4 / إقرار آلية جديدة تضمن عمليا شفافية المسابقات و الموضوعية و العدالة و الإنصاف في التعيينات في الوظائف و المناصب العمومية، بحيث تكون الفرص متكافئة أمام الجميع، دون تمييز أو إقصاء على أساس عرقي او ثقافي؛
5 / إنشاء مجلس أعلى جديد للتربية و التعليم العالي و البحث العلمي و التكوين المهني، يعين أعضاؤه و رئيسه، وفق مأمورية محددة المدة، من قبل رئيس الجمهورية و بكون تحت وصاية رئاسة الجمهورية، في انتظار أن يصبح مؤسسة دستورية مستقلة في أول إصلاح دستوري يتم عرضه لاستفتاء شعبي. يكلف هذا المجلس بوضع تصور إستراتيجية وطنية خاصة بمختلف مستويات التعليم و البحث العلمي و التكوين المهني على المديين المتوسط و البعيد، في حين تكلف القطاعات الوزارية المعنية بتنفيذ هذه الإستراتيجية؛
6 / الشروع في إدخال الإصلاحات الضرورية في المناهج و البرامج و المقررات على ضوء الإستراتيجية التي سيعدها المجلس الأعلى للتربية و التعليم العالي و البحث العلمي و التكوين المهني؛
7 / مراجعة النسبة المخصصة من الموازنة العامة للدولة للتعليم بمختلف مستوياته، بحيث تتدرج لتصل 30 إلى 35 % في غضون ثلاث سنوات؛
8 / زيادة معتبرة في رواتب المدرسين بحيث تتناسب و زيادة النسبة المخصصة للتعليم بمختلف مراحله من الموازنة العامة حتى تصل خلال ثلاث سنوات حوالي 200 %؛
9 / إقرار تشريع يلزم الوزارة المكلفة بالتعليم الثانوي أن لا تقل نسبة عدد الناجحين في الباكالوريا عن متوسط نسبة النجاح في هذه الشهادة في الدول المجاورة (56 % هذه السنة)؛
10 / إدخال إصلاحات جوهرية في نظام التعليم العالي بحيث تتم مضاعفة القدرات الاستيعابية لمؤسساته لاستقبال أفواج الناجحين في الباكالوريا بحسب الإصلاح الجديد، و تنويع العرض التربوي في هذا المستوى من التعليم، وفق الأولويات الاقتصادية و التقنية و التكنولوجية و العلمية و الثقافية للبلد، مع مراجعة الخريطة الجامعية، بحيث تكون أغلب الولايات تتوفر على مؤسسات جامعية تتناسب مع مقدراتها الاقتصادية، و حتى لا تبقى غالبية مؤسسات التعليم العالي في نواكشوط فقط، حيث يدرس الآن أزيد من 90 % من الطلاب.
يتعين الشروع في التحضير لهذا الإصلاح في أسرع وقت ممكن، لأن الظروف الآن ملائمة، على الأقل من حيث اقتناع أغلبية الموريتانيين بفشل منظومتنا التعليمية في وضعها الحالي و ضرورة إصلاحها إصلاحا جوهريا و شاملا.