ودِدْتُ لو لم أتطرّق إلى هذا حتى لا يُقالَ :إنه مدفوع بغرض ذاتيٍ لكن هذا الإشكالَ وهو عند المستفيدين فتحٌ بحاجة إلى إماطة اللّثام عن بعض جوانبه خدمة للعدل بين من قُدّر عليه التوظيفُ العام ولم تشفعْ له جدارتُه وتجربته وطول باعه في خدمة الوطن أن يحصلَ على إنصاف.
نحن لا نماري في الصّلاحيات التي يمنح القانون للبعض في استصدار قراراتٍ بموجبها يتم تعيينُ الأشخاص في الوظائف بل نبْحث عن منطقٍ مقبول يكون قاعدة لأية ترقية.
فأوّل ما يجب على المكلّفِ بالتعيين أن يتحصّل الاعتقادُ –وهو غير الظن- أن فلانا جدير بالقيام بكذا واجبات بالنظر إلى مؤهله العلمي وتجربته ومعرفة غالبية أهل الحقل المراد له تولي إدارته بذلك.
والشرط الثاني أن تكون الحاجةُ إلي خلق الوظيفة ماثلةً بل ملحة لإصلاح القطاع المعني بالإضافة إلى مراعاة استيفاء الموظف لشروط الوظيفة.
لكن وقبل تجاوز هذه النقطة لنا الحق في طرح السؤال : هل هذا هو ما يتم في بلادنا؟
وحتى لا نبتعد عن الموضوع نُجيبُ بالنفي اعتمادا على الواقع وما تشهد به الأمّة وهي لا تجتمع على الضلال.
لقد اعتقد القيمون على القطاعات أن النّظم المعمول بها تُعطيهم الحقّ في الترقيات بل وجلب من يريدون من الخارج(خارج القطاع)وذلك بسبب ضبابية الصّلاحية التي في الأصل إنما مُنحَتْ لهم للقيام بكل عمل رشيد وليس أن يتفننوا في اختيار الأقاربِ والأْصْدقاءِ أو من تكون لهم مصلحةٌ في قربهم منهم.
فهذا العملُ إضافة إلى كونه غيرَ أخلاقيٍ يجرعلى القطاعات عديدَ المتاعبِ كأن يفقدَ العمالُ الثقة في النّفسِ ويعلموا أن ضاربَ الجدارة والتجربة لا يعوّل عليه وأن النفعَ كلّه لمن أراد أن يترقي كامنٌ في ذوي القربى وأصحاب الجاه فبهم وحدهم يحصلُ للمرءِ ما يريد.
والأمثلة كثيرة قد لا يحسُن ذكرها كما أن الخوْضَ فيه غير مجدٍ.
وبدون تفطّنٍ يتبين أن القطاع على موعدٍ مع الخسران مهما كانت الظروف زِدْ عليه مناخ التنافر والتباغض الحاصلِ ضرورةً بين جماعةٍ من الكوادر أصبحتْ تقادُ من طرفِ جسْمٍ غريب.
وفى جو كهذا يكون المتوقّعُ أن يستقيلَ البعض بعدما تبين أن لا فُرصَ أمامه في العدْلِ حيث لا مراعاة لتراكم التجارب ولا للأقدمية وعوض ذلك يتم التركيز على الاختيار.
وعليه يبقى القطاعُ مشلولا بالنظر إلى فقدان شهية العمال للعمل فيه بسبب ما ذُكرَ.
ولأن الترقية تميزٌ بين الأقران وتزيد الرّاتبَ وتحسّن الوضع الوظيفي و تنطوي على معاني التكريم والثواب فيجب أن تستجيب لأدنى حدٍ من العدالة.
أكاد أجزم ومعي الكثيرون أنه من دون عدالة في توزيع ترقيات الأربعاء ومن قبله الخميس فلن يمكننا استشراف إدارة ناجحة وهي لعمري لا بدّ منها لأيّة تنمية مستدامة ترتقي بالبلد السّتيني إلى مصافّ الدّوّل الطّامحة للنّمو.
صحيحٌ أن ترقية موظفين تجلبُ علاواتٍ هم بحاجة إليها لكنها حين تتمّ خارج أطر الجدارة والعلم يكون ضررُها أكبر من نفعها.
حقا أن التركيزَ على الخبرات بدل الاختيار بالإضافة إلى أنه عدْلٌ فهو يكفل الشّعورَ بالاستقرارِ والرضا النفسي وعليه فمن المهم جدا الحيطة في أي قرارٍ يُتّخذُ في شأنه.
إن التركيز على العلم والتعلّم وإخضاع القرارات للمنطق المنصف يُنجي من الصّراعات السامة ’وحده رئيس الجمهورية –بعدما استفحل الأمرُ وصار ظاهرة – يمكنه فعْل شيءٍ في هذه المعركة الشّاقّة.
وليتلخّصَ الوضعُ الحالي في:مجموعة غنية وخلق فقير بسبب ترقيات الاختيار أو الصّدفة أو الحظ كما يسمّي البعْضُ عندما يعجز عن التبريرِ..
آمل أن أكون به فتحْتُ بابا ظلّ موصدا لا جُرْأةَ لأحدٍ على فتْحه :المستفيدون بسبب أنه يخدمهم والمغبونون خشية أن تصبح أسماؤهم مشطوبة باللّون الأحمر.
أدام الله عافيته على الجميع...
محمد يحيي ولد العبقري