من المستهجن التشكيك في الأهمية الكبيرة التي تكتسيها الصحافة تثقيفا للمواطن وتوعية وتنويرا له، إضافة إلى أدوار جوهرية أخرى تجاه الدولة والمجتمع ككل؛ ولا أدل على هذه الأدوار من اعتبارها "سلطة رابعة" من لدن الجميع ؛ لكنها، خلافا للسلط الدستورية الثلاث، لا تخضع دائما لضوابط(تنظيمية وإجرائية) صارمة ودقيقة بما فيه الكفاية، هذه الضوابط التي تتوخى مبدئيا الحيلولة دون الإفراط أو التفريط.
انطلاقا من حق أي مواطن في التعبير عما يراه صوابا -يحتمل الخطأ- من منظور المصلحة العامة ومواكبة للحراك الإعلامي الحالي، تساءلت عما بوسعي أن أسطره بخصوص "مهنة المتاعب"... فارتأيت أن "أفحص" كلمة "صحافة" من زاوية البراءة المجردة "للتباديل". إذ يبدو طبيعيا أن يتم الحديث عن "الصحافة" من خلال كلمات مطابقة لها "حرفيا" و قريبة منها في النطق ومرتبطة بها اصطلاحا.
يمكن -نظريا-تشكيل 120 "كلمة" مختلفة (إثنتين بإثنتين، انظر أسفله) باستعمال أحرف "صحافة" الخمسة ؛ بعض هذه الكلمات حجزت لنفسها مكانا في معاجم اللغة العربية والبعض قد تشفع له مستقبلا وتيرة التطور المتسارعة لهذه اللغة البديعة وبعض آخر ميئوس من "تلويغه". لست متأكدا من أن الجميع سيجد مفيدا جرد كل هذه "الكلمات"، إلا أنني قمت بذلك كتمرين ذهني وبدافع الفضول وتعزيزا لرصيدي اللغوي. لقد استوقفني جزء من الكلمات المذكورة ولا أخفي القارئ سرا أنني لجأت أكثر من مرة إلى المعجم للتأكد من وجودها كمصطلحات حية ومحاولة ربطها -إن وجدت- بالكلمة الأم (صحافة).
وتفاديا للإطالة، وقع اختياري على ثلاثة فقط من هذه الكلمات (إسمين وصفة)، بناء على معايير "اطرادها" في المادة الصحفية المعاصرة و أهمية دلالاتها بالنظر إلى ما أريد التعبير عنه هنا وسلاسة نطقها و..."عبقها"، بالإضافة إلى تجسيدها -وهذا هو الأهم- لأبعاد رئيسية ثلاثة تتحكم، من وجهة نظري غير المتخصصة، في جودة "النبإ": المنهجي والأخلاقي والجمالي.
١-فاحصة
سأبدأ بصفة "فاصحة" التي تتحكم إلى حد بعيد في جدية "البحث عن الحقيقة"، فالعقول "الفاحصة" تتوصل معدلا إلى نتائج عميقة وصحيحة قد لا تكون في متناول من يعول على الحواس والانطباعات والسفسطة. فالفحص الجدي لصدقية "المصادر" يعتبر اللبنة الأولى لبناء صرح خبري متماسك، تماما كما يحدث في مجال العلوم المجردة . أما "المعلومات" فبمثابة "المسلمات" بالنسبة للنظرية العلمية، إذ يجب أن تكون "بديهية" وغير متهافتة ودقيقة قدر المستطاع. ويجدر "بالتحليل" و "التعليق" أن يُستخلصا انطلاقا من "المعلومات" واعتمادا على القواعد المنطقية التي أثبتت جدارتها على مر العصور، تماما كما تُستنبط "النظرية" أو اللازمة" من "المسلمات" في المقاربة العلمية. بهذه الخطوات، يمكن للمادة الإخبارية أن تتجاوز العتبة المنهجية للمهنة، علما بأن "الحقيقة المطلقة" تبقي أحيانا بعيدة المنال بالنظر إلى "السوآت الكامنة" لدى "المصادر" والشوائب التي تنتاب انتقاء “المعلومات مسلمة الصحة"، والوجود المحتمل لفرضيات "غير قابلة للبت" منطقيا.
(يتواصل-إن شاء الله)