هيبة الدولة خط أحمر/ عبدالرحمن الطالب بوبكر الولاتي

جمعة, 21/08/2020 - 12:01

تتكون الدولة من ثلاثة عناصر: الأرض والشعب والحكومة، ولتحقق الدولة هيبتها، عليها أن تعمل على تحقيق الهيبة لهذه العناصر المكونة لها على حد سواء.

فمن خلال القوات المسلحة تحمي الدولة أرضها وحدودها من أي اعتداء أو تجاوز، فتكون للأرض هيبتها أمام جيرانها والمحيطين بها.

ويكتسب الشعب هيبته من خلال مشاركته الفاعلة في صنع القرار عن طريق المؤسسات التشريعية، ومن خلال انتمائه وولائه لدولته، واحترامه لمؤسساتها، وقدرته على التعبير عن  رأيه بحرية دون خوف.

أما الحكومة فتكتسب هيبتها من قوتها في تحقيق العدالة، وإقامة الحق، ومراعاة حقوق الإنسان، وحفظها لحقوق مواطنيها وكرامتهم عبر القوانين والأنظمة، واحترامها للحريات العامة.

وبقدر اتساع دائرة سيادة القانون لتشمل الجميع بعدالة وحزم ودون تمييز تكون مساحة هيبة الحكومة كبيرة أو صغيرة.

ولن تتمكن الدولة من تحقيق هيبتها إلا من خلال قوتها الاقتصادية والعسكرية والقانونية والعلمية، وهذه القوى لا تأتي من الفراغ، بل تحتاج إلى تكاتف الحكومة مع الشعب، لكي يعملا سويا على استثمار الأرض والمقدرات، وأهمها استثمار الإنسان من خلال تعليمه، وتفجير طاقاته لمصلحة الدولة.

إن حفاظ الحكومة على أمن البلاد واستقراره من أي يد عابثة هو سعي لتعزيز هيبة الدولة، وهي وظيفة أساسية من وظائف الحكومة والشعب، وإن الإخلال بهذه الوظيفة يؤدي إلى ضرب هيبة الدولة في الصميم، مما يؤدي إلى الانفلات الأمني، وتجاوز القوانين والأنظمة، مما ينقلنا من مفهوم الدولة إلى شريعة الغاب.

ومن خلال ما سبق نعلم أن الحفاظ على هيبة الدولة واجب وطني وديني، يقع على عاتق الحكومة والشعب، وهو خط أحمر على الجميع ألا يتجاوزه أو يقصر في الحفاظ عليه.

إن حرية الرأي والتعبير حق أصيل من حقوق الإنسان، وكذلك حق التظاهر والاعتصام، وهذا يشير إلى هيبة الشعب التي هي جزء لا يتجزأ من هيبة الدولة، ولكن إن أدى هذا الحق المشروع إلى بعض التصرفات غير المشروعة، أضحى خنجرا في هيبة الدولة لا جزءا منها.

فقطع الطريق، وإيقاف حركة السير والمرور، هي ممارسات خارجة عن القانون، ولا بد أن تقابل بحزم، للحفاظ على هيبة الدولة.

 

إنّ ضياع هيبة الدولة نتج عن “صراع ” قديم – جديد، و أفضى الى ضعف في المؤسسات وسقوط في الفساد، و زعزعة في الانتماء للوطن وإضعاف في الشعور بالواجب.

 

إنّ الحاجة المتزايدة لإعادة بناء ” هيبة الدولة” ومواجهة الأوضاع عبر الالتزام بالقانون هو في الواقع عودة قوية لأحد المبادئ العليا لبقاء الدولة واستمرارها.

واعتقادي أن الطرح المتعقّل يجب أن لا يقتصر فقط عما يصدر من المواطن أو المجتمع، وانما بما يصدر عن السلطة من قرارات  واجراءات.

فاستعادة هيبة الدولة لا تقف عند الظواهر المادية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، وإنما تأخذ في عين الاعتبار الشرعية والاعتراف بالنظام والطاعة العامة والرضا عن طواعية.

 

لم تكن موريتانيا محل ضعف وجدل مثلما هي الآن، وهنا نقف عند مسؤولية المواطن والنخب لتحصين مكتسبات الدولة  وخاصة أعزّها وأرقاها هيبة الدولة.

لذا يجدر التنبيه مجدّدا و أنّ الظروف القائمة التي تمر بها البلاد تدعو الجميع مهما كان موقعهم في الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني الى العمل على الحفاظ على الدولة وهيبتها كقضية سيادية.

 

إن النقطة المهمة هنا هي أن هيبة الدولة قيمة تاريخية تأتي في مسار جاد في الحياة السياسية، ولا يمكن أن تكتسب بين عشيّة وضحاها. فهي محصلة ونتيجة لقدرة مؤسسات الدولة و نُخبها على ممارسة وظائفها بكفاءة، وتمتّعها بقدرات توزيعية عادلة في السلطة والثروة والقوة،  والقدرة على أن تجعل القانون يعمل في خدمة الجميع و من أجل الجميع. وهيبة الدولة هي كفاءة الدولة في إدارة الموارد وتحويل الندرة الى وفرة، وهيبة الدولة هي النجاح في استثمار الموارد البشرية وتحويل مفهوم الولاء للأفراد  الى الولاء للأوطان.

 

لقد تأكد اليوم و أن هيبة الدولة لا بد أن ترتبط في بعض عناصرها بقدرة أجهزة الدولة على فرض سلطتها بالقانون، وهو ما يعني استعمال الدولة وأجهزتها للقوة المشروعة، مع الانفتاح على عناصر أخرى تجعل من “الهيبة المُؤَمّلة” أمرا مجتمعيا وسياسيا.

علينا جميعا أن نعمل على إعلاء مبدأ سيادة القانون، وتطبيقه على الجميع دون استثناء، وأن نحرص على معاقبة كل من يخالف القانون أو النظام، بعدالة ودون تمييز، وعندها ستكون هيبة الدولة مصانة، وستكون محل احترام وتقدير من الجميع.

خذها نصيحة من أبنكم يا سيادة الرئيس الجمهورية الموقر السيد محمد ولد الشيخ الغزواني : اعطِ الشعب ما يستحقه من احترام لمشاعره وحقوقه، يُعطِك فوق ما تستحق من حبه وثقته وولائه. ولكم فيمن يقبعون في الوحل حاليا [ممن أذلوا الشعب وتجاهلوه وعزلوه وحكموه بالقهر] عبرة وعظة، وثق سيادة الرئيس أن تراجع الحكومة عن قرار ثبت لها خطأ اتخاذه لا يخل بهيبتها، بل يزيدها احتراما وتقديرا عند رعاياها.

حفظ الله  موريتانيا وجعلها آمنة مطمئنة .