مثُل البارحة أمام الشرطة الموريتانية بعض الشخصيات السياسية التي وردت أسماؤها في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التي اقترحها "الإخوان" -بمساعدة المعارضة الديمقراطية- والتي اعتمدتها الأغلبية، تزامنا مع الجدل السياسي حول "المرجعية" داخل الحزب الحاكم.
وعلى الرغم من خلافي العلني في الماضي مع بعض هذه الشخصيات السياسية، إلا أنني أود التعبير اليوم عن تضامني مع هؤلاء الزملاء السابقين الذين تمت "التضحية" بكرامتهم تكفيرا عن ثقافة فساد ترسخت ممارساتها ومظاهرها منذ عشرات السنين داخل الإدارة العمومية والمجتمع الموريتانيين، هذه الثقافة التي تحتاج محاربتها الجدية إلى أكثر من انتقاء عشرة ملفات من أصل أكثر من 1320، للوقيعة بخصم سياسي، بتشجيع من معارضة تتحين الفرص لانتزاع الحكم، دون الاحتكام بالضرورة إلى صناديق الاقتراع.
لقد اجتهدت السلطة التنفيذية السابقة في أمور الشأن العام طبقا لدستور البلاد وقوانينها، كما تجتهد اليوم السلطة التنفيذية الحالية بناء على نفس الدعائم، وليس مستحيلا أن تخطئ إحداهما التقدير، إلا أن التأكد من ذلك يجب أن يتم بكل موضوعية وحياد وتجرد وفي أجواء سياسية هادئة. فالسلطتان التشريعية والقضائية تضطلعان بدورين أساسيين في حياة الأمة، لذا كان الأجدر بالسلطة التنفيذية الحالية عدم تمييعهما والزج بهما في صراع سياسي يمكن حله بأكثر من وسيلة ديمقراطية، ودون مبالغة أو تهويل ودون التشويش على سمعة البلاد الخارجية ومصالحها الحيوية.
كما كان بإمكان هذه السلطة التنفيذية، إن كانت حقا جادة في محاربة الفساد، أن تؤجل المعركة ضده إلى ما بعد الحل النهائي للجدل السياسي حول "المرجعية"، تفاديا للربط بين الموضوعين، كما كان عليها أن تكون صاحبة المبادرة (في إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق) وألا تقتفي خطوات "الإخوان" -وإخوانهم- فيما يتعلق بمحاولة إضعاف الأغلبية من خلال تشويه سمعة بعض رموزها، سبيلا إلى تفكيك صفوفها.
إنه يوم أسود في حياتنا العمومية، إذ يعيدنا إلى مشاهد وحقب كان من المفترض أن نكون قد تجاوزناها -بعيدا خلفنا- بفضل نضج تجربتنا الديمقراطية.
اسلكو أحمد أزيد بيه/وزير خارجية سابق