ان القيم الدينيةو الأخلاقية والعادات المستمدة من الشرع هي التي تحكم المجتمعات العربية والمسلمة قبل الدولة الحديثة، والتي منها بلادنا، وأمتزجت هذه القيم مع مفاهيم جديدة كالعدالة والمساوات والعدالة الإجتماعية في الدولة الوطنية الحديثة.
لكن وبعد أكثر من خمسين عام من الإستقلال ماذا حدث......؟
سواء أتفقنا أو أختلفنا علي التقييم هذه الفترة فمن المأكد أنه عكست القيم...! وغابت مفاهيم...! كالعدالة الإجتماعية وساد الغبن والتهميش وصارت هذه المنظومة الإجتماعية والقيمية والمفاهيم في بلادنا من خبر كان، وأستبدلت بمعايير تجذرت في المجتمع والدولة لا تعترف إلي بالأقوي من حيث النفوذ القبلي والمالي و السياسي.....!
إبتداء بالتقسيم الغير عادل للثروة الوطنية الواضح في نسبة الفقر في بلادنا مرورا بتمييع جميع الأوساط المنوط بها توعية المجتمع مثل الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب حتي وصل التمييع إلي النخب المثقفة وليس أنتهاء بالبطالة والتي أصبحبت معضلة حقيقية تأرق المجتمع الموريتاني بكل طبقاته وقضيته الأساسية وحديث الساعة، فالعمل حق غير قابل للنقاش لكل مواطن الشاب متعلم وغير متعلم.
فعدم تكافئ الفرص في إيجاد فرصة عمل يأكد أن القيم والمفاهيم الأنفة ذكر لم تستطع النخب الحاكمة المتعاقبة علي البلد تطويرها وجعلها تحكم مما قوض بنيان الدولة الوطنية.
فأبن النائب وابن الوزير وابن المدير وأبن الجنرال وابن رجل السياسة النافذ، حتي وإن كان لايملك أية مأهلات علمية يجد الوظيفة تبحث عنه وليس هو من يبحث عنها، بعيدا عن القيم الإنسانية والعلمية والحقوقية والوطنية، مما يأكد ظهور مقاسات جديدة للولوج إلي الوظيفة في هذ البلد من وساطة ومحسوبية وليس علي أساس الكفائة والشهادات المتحصل عليها.
فلايخفي علي متابع الأرقام المهولة والقياسية للبطالة حسب جميع التقارير الدولية الأخيرة حيث بلغت%34 في الصفوف الشباب الموريتاني، وكان أكبر المتضررين من هذه الوضعية أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة الغالبية المتعلمة في البلد.
ويعد غياب إستراتيجية وطنية في مجال التشغيل وتعدد الوظائف العوامل الأساسية في هدر الطاقات الوطنية الشابة وتفريض في أحدي ثرواتنا القومية (الثروة البشرية)، ومما فاقم المشكلة أكثر أن 90% من المؤسسات العمومية لم تطلق أي مسابقة للإكتتاب منذ نشأتها و حتي الأن، فكيف ومتي يتم إكتتاب العمال في هذه المؤسسات.......؟ خاصتنا المؤسسات التي ليست في الواجهة بالإضافة إلي ذلك فأغلبية الموظفون الموريتانيين يزيدون علي حقهم الزمني والطبيعي في الجلوس علي المناصب.
وتساهم ظاهرة البطالة في إنحراف الشباب إلي مآلات لم تكن في الحسبان مثل الإدمان والجريمة المنظمة و الإرهاب، حتي أنها تأثر علي حقوق الأطفال في التعليم وتحصيل الشهادات العليا إذا لم يكن ذلك مصدرلمستقبل أفضل، مما يخلق عندنا جيلا غير متعلم ومن سهل تغرير به وأستمالته وغزوه فكريا.
حينها لانستغرب الرجوع إلي عقلية مادون الدولة وظهور حركات مثل (أفلام و إيرا وحراك لمعلمين........إلخ.
فالفوارق الإجتماعية الموجودة اليوم والتمركز الحاصل للثروة الوطنية والوظائف هو ماتتغذي عليه هذه الحركات، ومما يثير القلق ويجب تداركه أن تجذب هذه الحركات بشكل يفاجئ الجميع في المستقبل القريب طبقات تتشارك معها في الإحساس بالحرمان من حقوقها البسيطة في وطنها والتي من أبسطها الحصول علي وظيفة، فالبطالة عبر التاريخ هي المصدر الأول للقلاقل في البلدان.
فأرقي أنواع الإستبداد في مجتمعنا اليوم هو عندما تجد نفسك بعد تخرج من الجامعة تبحث عن حقك في التوظيف علي الطرقات.
النهاه ولد باب ولد خيري
مهندس في كيمياء المياه والبيئة.
الفيس بوك:nahahkhairy