أعرف أن مشروع القانون موجه من الحكومة إلى النواب في البرلمان وأنهم المعنيون بهذا المشروع وهم من يملكون الإجازة أو التعديل أو الإسقاط وأرجح أنهم سيتحملون مسؤوليتهم في هذا الصدد ودورنا معاشر الفسابكة وأصحاب الرأي أن نقدم إسهامات تعين في النقاش المنتظر تحت قبة البرلمان.
ستكون ملاحظاتي على المشروع الذي ترجح عندي أنه هو الذي عرض على الحكومة في اجتماعها الأخير والمكون من 55 مادة والذي بلغني أنه أدخل عليه تعديل وحيد باقتراح من وزير الشؤون الاسلامية في اجتماع الحكومة لم أتمكن من معرفته، أما النسخة المتداولة الأخرى والمكونة من 68 مادة فالظاهر أنها قديمة وربما تعود لمجلس الفتوى والمظالم مقترحة منه أو عليه.
لدي سبع ملاحظات أساسية :
1 - في 55 مادة في موضوع مثير للجدل، والشبهة قائمة في شأن الجهات الخارجية المشجعة عليه لم يرد ذكر لمرجعية الشريعة الإسلامية والالتزام بأحكامها وهو أمر معيب يعطي حجة قوية للقائلين بأن هذا النوع من القوانين يستهدف القيم الدينية أو يتجاهلها في الحد الأدنى.
2 - في 55 مادة لقانون يشتبه الكثيرون في أثره السلبي على البيت لم يرد ذكر للأسرة ولا لما يعين على تماسكها والألفة داخلها خصوصا أن بعض محتوياته تشكل خطرا واضحا على العلاقات الأسرية ويحولها إلى نزاعات وتوترات لا تنتهي.
3 - كان مثيرا ربط الفتيات بالنساء في مختلف مستويات مشروع القانون خصوصا ما تعلق بحقوق مفتوحة لا ضابط لها ولا محدد لمستواها مما يوجد أجواء التمرد داخل البيت وتجاه سلطة الأبوين الضابطة للأخلاق والسكينة والالتزام.
4 - في المادة 32 جاء " كل من يجبر زوجته على القيام بسلوك جنسي غير أخلاقي ومخالف للطبيعة ...... " والأولى القول " كل من يجبر زوجته على القيام بسلوك جنسي مخالف للشريعة والطبيعة مخل بالأخلاق ....."
5 - جاءت عقوبة الاغتصاب دون المأمول وكما أشار أكثر من واحد ينبغي الوصول بها إلى أقصى تشديد ممكن لعل ذلك يكون رادعا لهذه الوحوش التي تعبث بأعراض وعفة وصحة بناتنا ونسائنا.
6 - كانت المادة الأحوج إلى الضبط والتقييد بأحكام الشرع ومصلحة الأسرة هي المادة 35 المتعلقة بالحرمان من ممارسة الحقوق ولعل بعض المدونين أحسن بإعطاء أمثلة مما عاشه في بلدان أخرى من خطر تقنين تمرد الأبناء والبنات على المنظومة الأخلاقية والأسرية.
7 - أعطت المادة 54 سلطة زائدة لمؤسسات ورابطات حقوق الإنسان التي يمكن لبعضها أن لا يكون مأمونا على قيم المجتمع، من هنا يقيد دور هذه المنظمات بطلب الضحية وانتفاء شبهة الإفساد.
ولدي خمس ملاحظات تكميلية:
1 - يلاحظ في لغة مشروع القانون خوف مرضي أو شبهه من المصطلحات الإسلامية واعتماد لغة جمعت بين الغرابة والركاكة وأخاف أن يكون للترجمة أثرها فلا يبدو أن الأصل كان باللغة العربية !!
2 - كان مناسبا في المادة الثامنة المتعلقة بالكشف المبكر الذي تسهر عليه الدولة ذكر الالتزام بالآداب الإسلامية في ذلك.
3 - في المادة 36 المتعلقة بزواج من هي دون سن 18 ومع أن الموضوع يخضع لتقديرات السياسة الشرعية فالأولى اشتراط النضج لا السن فكل تأخير لإمكانية الزواج هو تأخير لمقتضى العفة وتعجيل بعكسه.
4 - في المادة 29 المتعلقة بالضرب والجرح ورغم أن رخصة الضرب المذكورة شرعا مقيدة ومربوطة بالسياق المجتمعي ومفضولة ومذمومة فالأولى وصفه بالمبرح كما ورد في السنة واستقر في المنظومة الفقهية المعتمدة.
5 - في المادة 25 زيادة مقززة وانضباطها محل شك
" اللمس الجنسي المتكرر للمحارم يماثل محاولة الاغتصاب ويعاقب بعقوبته"
ولعله من المناسب تحويل الملاحظتين الأوليين من الملاحظات الأساسية إلى اقتراحات تعديلية يكون محلها الفصل الأول ( أحكام عامة )
بالنسبة للأولى أقترح مادة تقول : " كل الحقوق والعقوبات الواردة في هذا القانون منضبطة بضوابط الشريعة الإسلامية مقيدة بأحكامها ، فأي تكييف لحق أو عقوبة يخالف مقتضى الشريعة الإسلامية ساقط بقوة القانون "
وبالنسبة للثانية أقترح مادة تقول : " تطبق الحقوق والعقوبات الواردة في هذا القانون على نحو لا يضر تماسك الأسرة التي تعد المحافظة عليها وعلى الألفة داخلها هدفا أساسيا لهذا القانون "
إن إجازة مشروع القانون هذا كما هو يتضمن خطرا على قيم الدين والمجتمع كما يشكل إسقاطه بالكلية خطرا على حقوق النساء وحمايتهن من العنف والاعتداء ففي اتجاه التعديل والتصحيح سيروا يرحمكم الله وتلك هي مشاركتي في هذا المسار.
بقي لي أن أسجل أن القانون أحال إلى القانون الجنائي (4 مواد ) وإلى قانون الحماية الجنائية للطفل ( مادتان ) وإلى قانون العقوبات ( مادتان ) ولأنني لم أطلع على هذه القوانين أمسكت عن التعليق على الإحالة إليها.