تطل موريتانيا على المحيط الأطلسي بشاطئ طوله 800 كيلومتر تقريباً، من مصب نهر السنغال إلى ميناء نواذيبو المستقل. وتُعتبر الشواطئ الموريتانية من بين أكثر أماكن الصيد العالمية غنىً بالأسماك، ويعود ذلك إلى عاملين رئيسين، أولهما اتساع الرصيف القاري )90 ميلاً بحرياً في الشمال و30 ميلاً بحرياً في الجنوب (وثانيهما المناخ البحري، حيث يوفر التقاء التيار الصحراوي الدافئ وتيار الكناري البارد جواً ملائماً لتكاثر الأسماك).
ويفيد مختصون بإمكان اصطياد أكثر من مليوني طن سنوياً من دون أن يتضرر النمو الطبيعي للثروة السمكية. وتحتوي المياه الموريتانية على 700 نوع من الأسماك، منها 200 ذات قيمة تجارية، تُستغل 6 أنواع منها فقط في الأسواق التجارية المحلية والعالمية. وعلى الرغم من توفر مقدرات هائلة في موريتانيا في مجال الصيد البحري، فإن الملاحظ أن التمويل العربي ظل طوال فترة عمر الدولة الموريتانية عازفاً عن الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
تاريخ من الخيبات
تحتفظ ذاكرة الموريتانيين بتجارب استثمارية عربية لم يُكتب لها الاستمرار. ورأى رئيس مرصد الأطلس للتنمية والبحوث الدكتور عبد الصمد ولد امبارك أن "الاهتمام المتأخر بالثروة جاء نتيجة غياب عادات وتقاليد مرتبطة بقطاع الصيد عامةً، ونتج من ذلك إهمال شبه كلي في توجيه الاستثمارات الأجنبية، بخاصة العربية منها، التي وجِهت بالدرجة الأولى إلى توفير البنية التحتية ومقومات الدولة الفتية والحديثة العهد بالاستقلال".
أضاف ولد امبارك "قطاع الصيد شهد بعض المحاولات الجادة خلال حقبة الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالة، تمثلت بجلب الرساميل العربية الخاضعة حينذاك في إطار العلاقات الثنائية للأنظمة السياسية، مثل التجربة العراقية، مع إنشاء الشركة العراقية - الموريتانية للصيد simar ومع النظام الليبي السابق وإنشاء الشركة العربية الليبية الموريتانية للصيد salimaurem وكذلك نموذج الشراكة مع الجزائر في الشركة الجزائرية الموريتانية للصيد almap تلك نماذج من الشراكة التي لم تعمّر طويلاً".
السياسة تطرد الاقتصاد
ألقت الخلافات السياسية بين موريتانيا وبعض الدول العربية بظلالها على مناخ الاستثمار في مجال الصيد. واستطرد ولد امبارك في الحديث عن اسباب فشل الاستثمار العربي في مجال الصيد الموريتاني "نتيجةً للاضطرابات السياسية الإقليمية وضعف البنية مع عدم قابليتها للصمود في وجه التغيرات السياسية، بخاصة في موريتانيا التي عرفت في حقبة الثمانينات انقلابات عدة كانت في كل حقبة تفرز أنظمة متباينة المواقف من الملفات العربية". ورأى الصحافي الاقتصادي محمد الدده أن "الخلافات السياسية لطالما أثرت في الاستثمار العربي في موريتانيا، فالاقتصاد محكوم بأدوات السياسة".
الأوروبيون يربحون
في المقابل، تحتفظ موريتانيا بعلاقات اقتصادية ممتازة بالاتحاد الأوروبي، جعلته يعقد شراكة دائمة مع نواكشوط، تتجدد كل أربع سنوات في مجال الصيد، إذ تسمح موريتانيا لسفن دول الإتحاد الأوروبي بالصيد في مياهها في حدود 225 ألف طن سنوياً من الأسماك، مقابل دفع 110 مليون دولار في السنة. ويُنتظر أن تتم مراجعة تلك الاتفاقية خلال أسابيع. ودفع حجم الشراكة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي، الصحافي الاقتصادي محمد ولد الدده، إلى السؤال عن دور المال العربي في نسبة الاستثمار التي تعول عليها موريتانيا. وأضاف "لو استُثمر المال العربي في مجال الصيد البحري، لما كانت موريتانيا بحاجة الى شراكة مع الأوروبيين".
استثمار سعودي
في العام 2013، وقع "تحالف الراجحي" المكوَّن من شركتَي "الربيان الوطنية" و"الراجحي الدولية للاستثمار"، مذكرة تفاهم مع الحكومة الموريتانية للاستثمار في قطاعات من بينها الثروة السمكية. وبلغت قيمتها مليار دولار، الا أن بطء العمل في هذه المشاريع جعل مراقبين اقتصاديين كثر يتخوفون من مصير مماثل للاستثمارات العربية في موريتانيا خلال عقد الثمانينيات. ورغم ذلك استثمرت شركة سعودية ما قيمته 300 مليون دولار في صيد الجمبري من المياه الموريتانية.
منطقة حرة
من جهتها، سعت الحكومة الموريتانية إلى استيراد بيئة ملائمة لمناخ الاستثمار، فشرعت في انشاء ترسانة قانونية، تُوِّجت بموافقة البرلمان على قانون الاستثمار الذي صدر في العام 2012. وسرّعت الدولة الموريتانية خطاها في اتجاه جلب المال للاستثمارات في قطاعاتها الحيوية كالصيد البحري، فأنشأت منطقة حرة للتبادل التجاري في نواذيبو العاصمة الاقتصادية للبلاد.
واعتبر رئيس مرصد الأطلس للتنمية والبحوث أن "الفرص المتاحة للتمويل العربي كثيرة ومشجِعة بخاصة في ظل مناخ الأعمال الإيجابي حالياً، الذي تدعمه إرادة سياسية تتماشى مع التوجهات العربية في تنشيط السوق العربية من خلال قانون استثمار وطني مواتٍ صدر منذ العام 2012 مع ما يوفره من حوافز وضمانات حقيقية لرؤوس الأموال الأجنبية، إضافة إلى انحياز موريتانيا إلى اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وموافقتها على معاهدة الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، باعتبارها قانوناً يشكل مرجعيةً لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي وحمايته. ويضع كل ذلك قطاع الصيد في مقدّم الاهتمامات لجلب رأس المال لتطوير القطاع".
فرص واعدة
وتبدو الاجواء مواتية لجذب استثمارات عربية إلى السوق الموريتاني بخاصة في مجال الصيد البحري، فبعد اقرار قانون شراكة القطاعَين العام والخاص، وما يوفره من فرص لإدخال الاستثمار العربي الى سوق الثروة السمكية. وقال الدده "الدول العربية قد تستفيد من آليات مراجعة موريتانيا لاتفاقياتها في مجال الصيد مع الاتحاد الأوروبي المرتقبة في منتصف مارس (آذار) لتحرر الحكومة الموريتانية من التزاماتها الأوروبية. وأضاف "بإمكان المستثمرين العرب ابرام عقود مع موريتانيا، تُنعش اقتصاد موريتانيا، وتُعرِّف الشعوب العربية على ثروة موريتانيا الحقيقية".