إن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات الموريتانية لمواجهة جائحة كورونا تبدو في عمومها إجراءات تَسيرُ في الاتجاه الصحيح وإن كانت تحتاج استنفاراً أعمق وأعمّ وأشمل. فالوضعية العالمية الخطيرة تستلزم على الصعيد الموريتاني الكثير من القرارات الحاسمة والإجراءات الاستعجالية. فالسلوك العام لأغلبية المواطنين يبدو للأسف كما يتجلّى في كثير من جوانبه بعيداً جدّا عمّا تتطلّبه مواجهة هذا الخطر الوجودي.
وفي هذا الإطار فإن تزايد أعداد الموريتانيين العائدين من الخارج إلى بلدهم يشكّل خطراً متزايداً على الأمنيْن الصحي والاقتصادي للبلد.
فكما أصبح معروفاً تسببتْ صعوبة تخفيض حجم التنقل بين بعض البلدان في انتشار الفيروس في المناطق التي أصبحت تشكّل بؤرته حالياً. وكون موريتانيا عادة بلداً معزولا إلى حدّ كبير عن بقية العالم لأسباب معروفة منها الندرة النسبية للرحلات الجوية المتّجة منها وإليها كان ينبغي في هذه الظروف أن تكون من باب الضارّة النافعة بدل أن تتزايد أعداد القادمين جواً ثمّ برًّا خصوصاً من المناطق الموبوءة.
فيلزم بكل الوسائل وقف هذه العودة الجماعية المتزايدة العدد، يلزم وقفها وحصر إمكانية دخول البلد على من لديهم ظروف خاصّة تمنعهم كمواطنين موريتانيين من إمكانية البقاء خارجه.
إن موريتانيا كما هو معروف بلدٌ من أكثر بلدان العالم تواضعا في الإمكانيات خصوصاُ على مستوييْ البنيات الصحية والاقتصادية. وأهم معونة يمكن أن يقدمها لموريتانيا حالياً مواطنوها المقيمون في الخارج هي البقاء حيث هم والعمل على مضاعفة كافة أنواع الدعم المادي واللوجستي التي يقدمون أو يستطيعون أن يقدّموا لذويهم وللمحتاجين وللبلد.
إن الأوقات الصعبة تكون أحيانا فرصة لمراجعة الذات جدّيا. وما يصدق هنا على الصعيد الفردي قد يصدق أيضا على الصعيد الجماعي. فالحكمة تُلزم بتحويل المحنة إلى فرصة، فرصة للتعلّم ولفتح صفحة جديدة. فقد تكون هذه فرصة كبيرة لبناء نواة لمنظومة صحية موريتانية ما تزال شبه معدومة. كما أنها فرصة أكبر لوضع أسس سلوك أو انضباط صحي ومدني موريتاني جماعي ما زال عسيراً حتى على التخيل.
وفضلا عن ذلك فإن الانعكاسات الاقتصادية لهذه الأزمة وللإجراءات الاحترازية المجابِهة لها، أعني خصوصاً انعكاساتها على الأغلبية ذات الإمكانات المتواضعة، تتطلبُ خطّة دعم سريعة وغير مسبوقة، وخطّة استنفار للإمكانيات العمومية للدولة وللتضامن والتكافل المواطني الشامل في الأوقات الصعبة.
وكما يحتاج البلد إلى خطط على الآماد القريبة والمتوسطة والبعيدة للتعامل مع تداعيات وانعكاسات هذه الجائحة صحيا واقتصاديا وسياسياً وجيوستراتيجياً فإن نجاعة كل تلك الخطط مرتبطة أولاً بقدرة البلد على تسيير اللحظة الحاسمة الحالية وعلى وعي ما تعنيه وما تتطلّبه.
إن الأوضاع الاستثنائية الخطيرة تحتاج قرارات استثنائية جسورة.
فلا أحد يعرف حالياً متى ستستمرّ هذه الأزمة عالمياً ولا أحد يمكنه أن يتوقع نتائجها. ولكن الثابت أنها جائحة أي أنها مثل الحروب الكبرى تعني وستعني إعادة ترتيب جذرية للأوراق على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية.
إنّ عالماً ينهار أمام أعيننا وآخر يولد. وعلينا أن نعي من الآن هذه التحولات الضخمة وأن نفكّر في الطرق الممكنة للتعامل معها. فاللحظات المفصلية في التاريخ يستحيل تداركها بعد فوات الأوان.
د. بدي ابنو
مدير معهد الدراسات والأبجاث العليا
كامبريدج 21 مارس 2020