بدأت اللجنة البرلمانية المكلفة بنقاش بعض ملفات العشرية أعمالها من داخل مكاتب الجمعية الوطنية (البرلمان الموريتانى)، وسط افتقادها للوثائق والمعلومات الضرورية للقيام بعمل برلمانى محترف، وجنوحها إلى استغلال الخلاف الدائر بين بعض رموز السلطة من أجل الحصول على ما يدين رموز الحكم السابق، أو بعضهم على أقل تقدير. وشكل عمل اللجنة خلال الأيام الأولى صورة عن الواقع الذى تتحرك فيه، حيث طلبت العديد من الوثائق الخاصة بمنح الساحات العمومية ،والقوانين الناظمة للفعل ذاته، والوثائق المتعلقة بالميناء وصفقة الحاويات، والاتفاقيات الموقعة، والقانون الذى يضبط علاقة القطاع الخاص والعام بموريتانيا، مع جرد الأسماء الواردة فى نلك الملفات، بغية الإطلاع على علاقات اجتماعية مفترضة لبعض المسييرين لها مع كبار صناع القرار خلال العشرية الأخيرة، دون أن تكون هنالك خروقات قانونية محددة، رغم الحديث فى أوساط اللجنة عن وجود إحساس باستغلال القانون بغية الإضرار بمصالح البلد أو التكسب غير المشروع. اللجنة البرلمانية استقبت عمليات الاستدعاء المتكررة لرموز العشرية الأخيرة، بتوجيه طلب لكافة الفاعلين فى موريتانيا أو خارجها (لم تقيد الدعوة الصادرة فى البيان)، من أجل مدهم بالوثائق اللازمة أو أي معلومة من شأنها حصول اختراق فى الملفات المذكورة، فى رسالة كشفت حجم الاستهداف الذى تشكلت اللجنة من أجله، ورغبة بعض أعضائها فى النيل من رموز النظام السابق الذى أدار البلاد لعشر سنين، مهما كانت مصادر المعلومات المتوقع الحصول عليها أو مصادرها المحتملة، بدل التحرك بناء على معلومات لدى النواب أو بعض الكتل البرلمانية الفاعلة فيه، أو خروقات مكتشفة أستدعت تعميق التحقيق وكشف خيوط اللعبة. لقد بدت العملية شبيهة بحراك بعض صغار المفتشين الذين يرسلون إلى مدير مستهدف لسلوكه المعارض أو موقف رأس النظام منه، رغم مايتمتع به النواب من استقلالية فى القرار وحرية فى التصرف ومكانة لدى المشرع الموريتانى. ورغم شهر على تشكيل اللجنة فقد خفت الزخم الإعلامى المصاحب لها، وبات تسريب أعضائها للدعوات الموجهة لبعض رموز الحكم هو المتداول من الأخبار، فى بلد يسهل فيه الخلط بين الاستدعاء من أجل المساعدة أو الإتهام بالتورط، بل إن الخبير الذى يستعان به لفك بعض الإشكالات القانونية أو الفنية، قد يجد نفسه فى مواجهة ألسنة الناس، بحكم الحديث عن اجتماع اللجنة به، فى مقر مفتوح على شارع رئيسى بقلب العاصمة نواكشوط. يجزم البعض أن المستهدف من العملية بالدرجة الأولى هو الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أو سمعته على أقل تقدير، وأن المستهدف أو أغلبه ممن كانوا ينظرون إلى حكمه ، كأحد مراحل التحول النادرة بتاريخ البلد المضطرب، وأن استعادة الأموال المنهوبة أمر شبه مستحيل، فى بلد تراجعت فيه الحدود الفاصلة بين الأموال العمومية والخصوصية، ويحكم بمنطق القبائل والأعراف والفئات والجهات، مهما كانت الشعارات المرفوعة منذ إعلان التحول الديمقراطى سنة 1991. فهل نحن فعلا أمام عملية تحقيق جادة قد تعيد الأمل للشعب وتوقف استنزاف ثرواته؟ وقد تطيح ببعض رموز الفساد فيه، بغض النظر عن سلامة موقف المحققين؟ أم أنها عملية إلهاء محكمة فى عام بالغ الصعوبة، حيث يواجه الناس شبح الجفاف وارتفاع الأسعار، وتحيط بهم تحديات أمنية وصحية باتت مصدر قلق لمجمل صناع القرار بالعالم؟