ماذا لو اصطف الناس يوم غد في الترارزة للاستقبال، ثم طلع عليهم عزيز ومعه الحرس الرئاسي وشيخنا ولد القطب يصرخ فيهم أن ابتعدوا، التلفزيون والإذاعة والوكالة وتكيبر..
صدقوني لن يرتبكوا ولن يتغير المشهد، سيومئ ولد احمدوا أو أحد كبراء الولاية لأحد معاونيه بأن يضع مشطا في الحمام الرئاسي، سيخفون الصور المكبرة ، وسيتحدثون عن نفس الإنجازات لأن غزواني في النهاية مازال يقتات على ما أنجز وصديقه حين كانا رئيسين للبلاد، أحدهما يحرس الآخر ويراقب المعارضة وأعداء الوطن الخارجيين.. سيتحدث عزيز غاضبا كالعادة وسيستدعي النواب ليعرف منهم أسباب تحركهم للتحري في صفقات العشرية..سيضحكون أو لنقل سيبتسمون ويقولون ؛ حاشا الشرف انما كنا نمثل على الشعب حماية لك و لصديقك حين يغادر، ففي النهاية نحن من أجاز جميع الصفقات وأنتم تعلمون ذلك.. سيجهش أحدهم بالبكاء وسيقبّل بعضهم يد العزيز الشريفة، وسيقرأ آخر بعض تاريخ أسلاف الرئيس، و سيسب واحد منهم نفسه: لعنة الله عليك إذ تخليت للحظة عن صانعك..
ستنتهي الزيارة وحين تعود الوفود الى انواكشوط، تكون المفاجأة بأن معاوية استدعي لوليد و طالب باجتماع طارئ للحزب الجمهوري،سمعوا النداء عبر إذاعة محمد الشيخ فاصطفوا أمام يمهلو وباريكلل واقتسموا آلاف الأمتار من ازبي، ثم تنادوا الى قصر المؤتمرات القديم، وتبادلوا النظرات وهم يبحثون عن الإضطراب الذي حصل.. تنبهوا الى أن الحرس الرئاسي تغير فعلا..أسرع شيخ منهم خطاه نحو المتاريس ثم مد للضابط الشاب عزيز مبلغا ماليا وابتسم ثم أخذ مكانه في الطابور..دخل الجميع فاذا معاوية يسأل عن كنام وأين وصل العمل فيه..صفقوا للسؤال! ولم يكثر الرجل من الكلام و إنما نظر في عيني كل واحد منهم نظرة تفسر أشياء كثيرة وتترك علامات استفهام أكثر..
تفرق الجمع الذي يعد بالآلاف بعد أن قدموا من جميع الولايات، وبينما بعضهم يهم بالخروج من البوابات الكبيرة، إذا بابريكة ولد امبارك ومعه كتيبة عسكرية، قفز من السيارة قبل توقفها ثم استدعى أحدهم: "ممي" رتب هؤلاء المدنيين المتخلفين.. من القصر تأتي انغام أغنية "الهياكل ضمان تهذيب الجماهير"وأغنية "أيلاه ليا لي لا لا كوميتي ميليتير نكومو"..أصيب البعض بالدوار وآخرون بالغثيان وبعض الفتية مازالوا عاجزين عن فهم مايحصل.. أغلب الرجال لم يهتموا وجلسوا في الطابور بسبب الحر الشديد كأنهم ينتظرون الحساب، بعضهم استظل ببطاقته الوطنية التي اصفرت وكبرت في لحظة.. ثم دخل المقدم محمد خونة صاحوا جميعا: ياشيخ الرجال النصر ياشيخ الرجال.. تحركت الهياكل الآدمية ببطء إلى الداخل فإذا بكبار الشعراء وقد جهزوا قصائدهم..كل هذا وهيدالة يهمس في أذن صاحب الشنب الكبير معاوية.. هل سيقتلنا؟ ماذا فعلنا؟ تساءل كل واحد منهم في قرارة نفسه.. تصبب العرق، تغوط البعض ،حبرت الأسنان واصفرت الوجوه ثم فجأة بدا كأن الرجل ينزع جلده، نزع القناع فإذا غزواني يبتسم، رماهم بالقناع كما فعل ابريكة الذي تحول إلى حنن و معاوية الذي خرج من قناعه ضابط لم يعرفه أحد، لكنه ربما يكون معروفا يوما من الأيام. -ماذا تظنون أني فاعل بكم -أخ كريم وابن زاوية صوفية عظيمة -اذهبوا فأنتم الطلقاء، لكن لن تقوم لكم قائمة بعد اليوم، سأعتمد على الشعب وسأرضيه وسأكون له شافيز ويكون لي شعب فنزويلا العظيم..الضابط الذي لايعرفه أحد لن ينقلب أبدا لأن الشعب سيلفظه ويرفضه ويحمي الديمقراطية.. أعترف لكم وللعالم بأنني لم أكن أي شيئ، ولم أعين من الشرفاء في حكومتي الا اثنين أو ثلاثة ولا من المديرين إلا واحدا أو اثنين.. كنت سأحكم بنفس النظام مع اختلاف في عدد شعرات رأس الرئيس لكن ألهمني الله و تملقكم خلال الأشهر الماضية أن أختبركم اختبارا سريعا فطلبت الأقنعة من الصين وطبعا بلا "كورونا" لأن وزير صحتنا شاطر وقام باللازم..أيها الشعب أنا عبدك وأنت السيد..سأعين ألف موظف لا يعرفهم أحد..سأحتفظ بالشرفاء القلائل الذي يعملون في الحكومة والإدارات.. عشرون شخصا فقط..انتهى الأمر..سيحبني الأطفال والشيوخ والمستضعفون..سأقضي إجازتي في آدوابة لأنها ستتحول الى مناطق سياحية جميلة..سأقضي على عداوات الماضي والإرث الانساني والواقع المقيت الذي أفرزته القرون..سأفعل لأن لدي شعبا يعد على أصابع اليد وثروات لاتحصى وإرادة ولدت اليوم..سأفعل لكن بدونكم..
طبعا لن يفعل..لكن ماذا لو فعل..لا لا لن يفعل فالسلطة تحول الإنسان الى عديم الإحساس وهو في السلطة منذ عقد من الزمن كرئيس مساعد ومشارك.