كيف اندمج اسلافنا.؟

أقوام وأعراق وملل عمرت هذا الركن من الصحراء الكبرى، عبر دهارير لم يُعثر بعد على تفاصيل واضحة عنها، سوى مياسيم محفورة على قمم بعض الهضاب، وصور جثث انزاحت عنها الرمال المتحركة، في بعض المناطق، فإذا بأجداث مصممة على أشكال غير مألوفة وغير معروفة، شاهدة على أن إنسانا أقدم بكثير من إنسان التاريخ عمر هذا المجال ودفنت الطبيعة المتوحشة أسراره .
 

لا أحد حتى الآن في المجمل اهتمّ بنحوت الهضاب تلك، ولا بالمدافن التي كشفت عنها حركة الكثبان، الاهتمام شبه منحصر في الحدثين الكبيرين في العقل المؤسس للوعي الثقافي والاجتماعي.

الحدث الأول متعلقات تحركات مجموعات قبلية امتلكت أدوات التمكين المادية والفكرية، فسطرت بذلك حلقات من تاريخ المجال فأصبحت المرجعية الوحيدة المعتمدة لتشكل جل هذه الأعراق سلاليا أو فكريا.

حدث ثانٍ مَثلهُ وصول قبائل زاحفة وعائلات لاجئة أو مهاجرة لأكثر من سبب بصمت المجال بلسان الثقافة المشرقية العالمة ، ورتوشا من تراث أسلافها الاقدمين، فانصهرت الكتلتان في تناغم بديع، وبهدوء نادر في التاريخ المحفوظ للكتل البشرية، مما عزز فرضية الأصل الواحد للتكتلين، رغم اندثار حبل الوصل بين مهاجري سيول "العرم" وغزوات "إفريقش" قبائل ما قبل التاريخ من جزيرة العرب، والوافدين بعد فجر الدعوة.

ظلت أمة أخرى جاثمة على أطراف الصحراء ، لم تحظ مسيرتها بسجلات حافظة لتاريخها، ولعل الجغرافيا أيضا خانتها فأبعدتها عن عالم الثقافة العالمة المنتشرة شرقا وشمالا.

كما لم تَفِ لغاتها بسرد ما يمكن أن يرسم صورة تقريبية عن ماضيها ، فبقت المعلومات عنها رهينة للنظرة الأيدلوجية لكتاب المسالك والممالك العرب، الذين دونوا أهم ما هو معروف من تاريخ تلك الأمة في تلك لأزمنة الغابرة، وكان مما دونوا أن أجسامهم لامست البضائع الناعمة التي يحمل القادمون من أعماق حضارة النيل المشرقية، والباحثون عن المعدن الأصفر الخالد الذي يجلل أرض هؤلاء الأقوام، و أن عقولهم انفتحت على ملل التجار المسلمين المسالمين الأمناء الذين جربوهم عبر المقايضة الليلية لسلعهم ، فتراجعت ثقتهم بأوثانهم أمام عقائد حَملتُها سُمحاء ورعين.

هكذا تشكل هذا المجتمع من عجينة لا غالب فيها ولا مغلوب، فانصهرت صفرة الأشراف والمعاقلة (بنو حسان) وغيرهم ببياض صنهاجة وسواد أهل غانا فتشكلت سحنة الموريتاني الحديث، لنحافظ عليها جميعاً فهي تحفة فنية نادرة.

سيدي محمد ولد جعفر