لم يعد يخفى أن المواجهة بين ولد عبد العزيز و الرئيس محمد ولد الغزواني قد أزفت ساعتها، و أن الخلاف بين الرجلين وصل مرحلة لم يعد لترأب صدعه وساطة و لا مساعي مصالحة.
فهل أن ولد الغزواني كان “مؤمناً من آل فرعون” طالما رأى فساد الرجل و نهبه للبلاد، و تفرج على غطرسته و صلفه في التعامل مع المواطنين، فساءه منه ذلك، فأخذ على نفسه عهداً بأن يغير هذا “المنكر” بيده، بعد أن غيّره بقلبه؟!
أم هل أن ولد الغزواني الذي تضرر من إهانة ولد عبد العزيز له و احتقاره و تقريعه، و تسريباته لتسجيلات صوتية من حياته الخاصة، و الحديث عنه بسوء بين خلصائه، طفح به الكيل و فاض الكأس، فهو ينتقم منه لنفسه قبل إن ينتقم لوطن أثخن فيه الجراح.
يبدو أن استراتيجية ولد الغزواني أشبه بما يقال في التراث الشعبي عن “الضرب بالتراب”، الذي كان بعض قبائل الزوايا يلجأون إليه في تأديب أعدائهم، حيث يحشى حبل قطن مجوف بالتراب، فلا يكون للضرب به أثر على ظاهر الجسد و إن أدّى لتفتح باطن الجسم و تشققه و إصابته بنزيف داخلي، لا يعيش صاحبه كثيراً.
في كل مرة، يتحدث غزواني ذارفا الدموع على صديقه و أخيه ولد عبد العزيز، يكون قد أصابه فيها في مقتل سياسي.
فهل أن الحديث عن “استمرار النهج” الذى سالت بأعناقه الأباطح، في الأسابيع الأولى من حكم ولد الغزواني ( حتى أنه ورد على لسان الوزير الناطق الرسمي سيدي ولد سالم، و لا يزال رغم ذلك يحتفظ بمنصبه) و الإبقاء على مقربين منه في مناصب رفيعة، إنما كان طريقة لاستدراج ولد عبد العزيز للعودة لموريتانيا، حيث يكون قيد المراقبة، و يمكن تحجيم ضرره المحتمل. و هو الفخ الذي وقع فيه الرئيس السابق، فعاد مزهوا بنفسه كالطواويس، و كأنه كليب بن وائل يتجول في حماه.
لقد كانت بداية المواجهة بتجفيف جميع الضروع التي كانت تدّر عليه من المال العام، ثم بالضرائب التي فرضت على مقربين منه مثل “صحراء لوجستيك” المملوكة لصهره ولد امصبوع، و شركة أخرى لحمادي ولد امصبوع و غير ذلك.
كما اقتضت استراتيجية الموت البطيء للرئيس السابق عدم إقالة أي من المقربين منه من منصبه حالياً، حتى مستشاره احميده ولد اباه المسؤول عن تنصته و اقتحامه لخصوصيات المواطنين، بمن فيهم الرئيس الحالي، و ذلك حتى لا يتم بهم تعزيز جبهة ولد عبد العزيز، حيث أن إقالة أي منهم تعزز احتمال التحاقه بمعسكر عزيز. و لهذا لم تتم إقالة مستشار و لا مكلف بمهمة، لا في الرئاسة و لا في الوزارة الأولى، حتى غصت بهم مكاتبها و دهاليزها. و لاشك أنه حين يتم حسم المعركة ضد ولد عبد العزيز (وهي محسومة سلفاً) فسيتم تنظيف الرئاسة و غيرها من هؤلاء.
لقد أصبح الرجل وحيداً، لا يزوره غير أفراد أسرته و بيجل ولد هميد و سيدنا عالي، الذي لاشيء يؤكد أنهما لا يؤديان مهمة استخباراتية (فمتى كانت لأمثال هؤلاء مباديء و مواقف؟!).
و إذا كانت إذاعة فرنسا الدولية قد تحدثت عن إصابة ولد عبد العزيز بداء الارتياب “بارانويا” فإن السبب يكمن في خيانة أقرب الناس منه، من أمثال يحي ولد حدمين و محمد ولد عبد الفتاح و ولد اجاي و احميده ولد اباه و جمال ولد الطالب و عالي ولد علوات و رجل الأعمال زين العابدين و غيرهم.
يبدو أن ما أشكل على الناس، مما كان ظاهره استمرارا للنهج، باطنه الضرب بالتراب و الذبح بمدية باردة، كما هو تعريف هنري كيسنجر للدبلوماسية. و لنتابع المؤتمر الصحفي المرتقب للرئيس السابق لنعرف كيف سيتأوه و يتضور ألماً؟!
مريم منت عينين