عيش منطقة الساحل على وقع عنف متصاعد خلال الأشهر الأخيرة، رسمت معالمه أشلاء الجنود الأفارقة والفرنسيين فى النيجر ومالى وبوركينا فاسو، وسط ترقب حذر بموريتانيا، فى ظل مغادرة رئيس وتحكم آخر، وانشغال النخبة السياسية والعسكرية بالصراع الدائر على النفوذ داخل دوائر الدولة الموريتانية.
وشكلت قمة الساحل الاستثنائية بالنيجر أول محاولة جادة من القادة لنقاش ما آلت إليه الأمور فى المنطقة خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، مع التشاور والتحاور مع الفرنسيين من أجل رسم ملامح المرحلة القادمة، والتى بات فيها شبح انسحاب القوات الفرنسية من الساحل أبرز ما يؤرق بعض قادته، بحكم الروح القتالية المتنامية للجماعات الجهادية بالمنطقة، وحصولها على أسلحة وموارد مالية ضخمة، جراء استمرار الصراع الدائر فى ليبيا، وانشغال الجزائر بالأزمة السياسية الداخلية، وتعثر القوات الإفريقية المنتشرة بمالى، وعجز باماكو عن القيام بمصالحة حقيقة مع القبائل العربية والطوارق فى الشمال، وغياب أحد أبرز الرؤساء الذين قادوا مجموعة الساحل خلال العشرية الأخيرة، وتصدوا للإرهاب بالمنطقة، بفعل التداول الذى حصل على السلطة فى موريتانيا نهاية يونيو 2019.
ورغم أن المنظومة العسكرية والأمنية بموريتانيا لاتزال كما هي، رغم مغادرة الرئيس السابق لمركز صنع القرار، واختيار أبرز رفاقه لتسيير البلد، والدفع بوزير دفاع خبر منطقة الساحل بشكل مباشر، وعايش أبرز التحديات التى واجهتها خلال السنة الأخيرة، إلا أن القلق فى دوائر صنع القرار من تداعيات التوتر القائم، تجعل الإستراتيجية الموريتانية محل أنظار الجميع، باعتبارها الدولة الوحيدة التى لم تتضرر من الإرهاب بشكل مباشر منذ خمس سنين، ولم تنزلق إلى أتون الحرب الفرنسية الإفريقية فى الشمال المالى، وظلت قائدة التحول العسكرى والأمنى بمنطقة الساحل، بحكم تماسك الجيش، وتعزيز المنظومة الإستخباراتية، وتفعيل الأجهزة الأمنية الداخلية، وزيادة عدد المجندين من أجل مواجهة الواقع المعقد.
ورغم حضوره لمنتدى دكار واجتماع بوركينا فاسو، وقمة النيجر، إلا أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى لم يعلن بشكل واضح خروج موريتانيا من فضاء النقاط العشرة، التى أعتمدها سلفه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولم تعلن الأركان العامة للجيوش أو الأجهزة الأمنية الأخرى المكلفة بالأمن عن رؤية جديدة لتسيير المرحلة، مما يشى بالعمل بالإستراتيجية الأمنية القديمة، رغم الضغوط الغربية والفرنسية على وجه التحديد، وتنامى المخاوف من تغول القاعدة وأخواتها، فى ظل انهيار بعض الجيوش التى دخلت معها فى تماس مباشر خلال الأشهر الأخيرة.
وظلت الحكومة الموريتانية خلال العشرية الأخيرة تفخر بأنها الدولة الوحيدة التى لاتوجد بها أي خلية إرهابية نائمة أو مستيقظة، كما أنها البلد الوحيد فى منطقة الساحل الذى استطاع من خلال تنفيذه لإستراتيجية وطنية خالصة توفير جو من السكينة داخل البلد وتكريس تجربة رائدة فى مجال محاربة الإرهاب، والعمل من أجل مساعدة ومساندة شعوب أخرى عانت ولا تزال تعانى من وباء التطرف ومخاطره، مع تحييد الشباب الموريتانى وتحصينه من مخاطر الجماعات المتطرفة الفاعلة بالمنطقة.
وكانت الحكومة الموريتانية قد اعتمدت خطة لمواجهة التنظيمات الإسلامية المسلحة من عشرة نقاط:
(1) تفكيك كل الخلايا الداخلية المرتبطة بالقاعدة أو تلك التى تشكلت من أجل التواصل معها أو مع غيرها من التنظيمات المتشددة فى المنطقة.
(2) تأمين الحدود الوطنية من عمليات التسلل باتجاه الأراضى الموريتانية
(3) التدخل من خلال إنشاء وحدات عسكرية وأمنية قادرة على التحرك السريع لمواجهة الجماعات المسلحة فى المنطقة وخصوصا المناطق الشرقية.
(4) إنشاء طوق أمني من خلال تكوين 50 وحدة مراقبة على طول الحدود الموريتانية لمراقبة حركة الأجانب ومجمل العابرين للحدود
(5) ضبط كل الوافدين إلى موريتانيا، وإنشاء وحدة بيانات تسمح بمتابعة كل القاطنين على الأراضى الموريتانية، عبر تسجيل كل المواطنين والمقيمين والعابرين.
(6) مع بعد تشريعى وقانونى لمواجهة الإرهاب، وسد الفراغ الذى كانت تعانى منه موريتانيا خلال الفترة الماضية، وهو ما ممكن الضباط من القيام بالمهام المحالة إليهم، ووسع من قاعدة الردع الخاصة، لمواجهة الجماعات الإرهابية، والتعامل مع الإرهابيين ولو خارج الحدود الموريتانية.
(7) العمل من أجل خلق جو من الحريات السياسية والإعلامية و السماح للناس بالتعبير عن آرائها، لتفريغ الشحنة التى كان يعانى منها البعض، والسماح للجميع بالتعبير عن رأيه عبر منابر قانونية، وطرح الأفكار فى الساحة ونقاشها ومعرفتها، بدل سياسة التعتيم وتكميم الأفواه، وهو ما عزز من الجهود الأمنية المبذولة.
(8) محاربة القناعات الفكرية الراسخة لهذه الجماعات وخصوصا الجيل الشبابى.
(9) خلق ديناميكية اقتصادية وترقية المبادرات الخاصة وإعطاء أمل للجيل الشبابى ومواجهة البطالة وخلق فرص عمل حقيقية من أجل دمج الجميع فى الحياة الاقتصادية النشطة.
(10) تمرير مجمل الاتفاقيات الدولية الخاصة بمحاربة الإرهاب.
ورغم أن تنفيذ النقاط العشر، عانى من بعض القصور والأخطاء، إلا أن ملامح الإستراتيجية الأمنية والعسكرية ظلت محل ارتياح لكل المهتمين بالساحل وأمنه، وساهمت بشكل جاد فى تأمين الدولة الموريتانية وزائريها من مخاطر باتت تأرق الجميع، مع تعزيز الترسانة العسكرية والأمنية بشكل متزايد، وسمح للجيش ببسط نفوذه على كامل التراب الوطنى، بعد عقود من التقوقع والتراجع أمام الأخطار الخارجية.
زهرة شنقيط / نواكشوط