كانَ عرسًا مشهودا تمامًا كَ”عرسِ الزين” ذلكَ الذي شهدتهُ قريةُ تولدى في إحدى عشيَّاتِ عامِ 2000م
لقدْ تَفَشتِ السَمرواتُ في السُوحِ، وفاحَ الموناسُ في الأرجاءِ نمَّتْ الريحُ الصباغَ المخبوءَةَ في دراريعِ” فولمارْ والشُّوبْ”١
تمَ توزيعُ الكُولا على العجائزِ الحاضرينَ -وهذا طقسٌ غالبًا ما يصاحب عقدَ القرانِ لدى الفلان- ، انغمستْ الألسنُ في الزغاريدِ ،وشتِ المراجلُ بالتوابلِ والأفاويهِ ،غصتِ بالناسِ دارُ أهلِ غاولالْ جا.
بدتْ قريةُ تولدى وكأنَّها وطنٌ قديمٌ للدراويشِ، والبيفالاتْ، والمجانينِ ،والمتسولينَ ،وطنٌ للغرباءِ الذينَ شمَّعتْ أرواحهمْ الطبولُ والموسيقى والفلكورُ ،أينَّما رجَّ طبلٌ فأرواحهمْ معلقةٌ في صداهُ .ليسَ لهؤلاءِ ذاكرةٌ غيرَ ما يمرونَ بهِ من أضرحةٍ أوْ مايحفظونهُ من تعاويذ وأسماءْ!
الأقرباءُ، وذووا الفضلِ، والفضوليُّونَ، والصعاليكُ، كلُ هؤلاءِ تنادوا إلى تولدى تلبيةً لدعوةِ الرجل المرموقِ (غاولال) .
سيتزوجُ في يومٍ واحدٍ ولداهُ البكرُ :حمّدي غاولالْ وآخرُ العنقود :موسى غاولالْ
لمْ يكنْ زواجُ حمَّدي منْ مَتُو با حدثًا ذا بالٍ ،أوْ شيئًا باعِثًا للتَّخمينِ وطرحِ الأسئلة.
لقدْ كانتْ بنتًا مغلفةً بالوسَاوسِ، ومترهلةَ الخاطرِ ،عديمةَ الثقةِ بالنفسِ، شاكةً في كلِ شيءٍ ،ومكسوَّةً بشيءٍ من الحيرةِ ،مسحورةً حسبَ مالَهَا يهمِسُ الشكُ .
وكانَ حَمَّدي هادئًا ومَجانيًا في ضحكتهِ التي لا يواري خلفَها غيرَ عشقهِ لمتُو أو الغباءْ!
أمَّا أخوهُ موسى فكانَ وغدًا، يتدلى على كاهلهِ من الزَّغبِ ماهوَ كفيلٌ بتدويخِ عاشقاتِه ،فقد كانَ معشوقًا وسطحيًا وبذيئا جدا .
لكنَّ أمزجتهُ المتقلبة جعلتهُ لاَيرتاحُ لظلِ امرأةٍ تحبهُ ولا يغفُو على حافةِ نبعِها .كانَ مولَعًا بالتجريبِ يُصوفهُ الجسدُ الرخوُ المتعالي، لذلكَ تَامَ قلبهُ فاتِماتَا أنياسْ بنتَ البيطريِ سليمانْ أنياسْ .
ولمْ تكنْ تبادلهُ من الولهِ شيئًا مع أنها وافقتْ على الزواجِ منه .
في منزلِ أهلِ غاولالْ جا ،والشمسُ غاربةٌ جدا اتسعتْ الأثافِي للقدورِ وهاءتْ الأم لاستقبالِ العروسينِ ،البخورُ المغمدُ في آنيةٍ من الخزفِ اتقدَّ، وانزاحتْ عن صمتها المعتاد القريةُ لتستحيلَ صخبًا يتماهى والنشورْ
جرتْ العادةُ عندَ الفلانِ أنْ يغادر العريسانِ المنزلَ الذي ستقامُ فيه فعالياتُ العرسِ وينتحيَا مكانًا غيرهُ، قد يكونُ منزلَ أقاربٍ أو جيرانٍ أو فائضَ منزلٍ للأسرة
وكانَ حمَّدي قد اختارَ منزِلَ أقاربه آل سيدو جا
أما موسى ففضلَ منزلَ جارتهِ كتيلْ كوميدى.
كانتْ لكتيلْ بنتٌ تدعى “هوليْ” مغرمةً حدَّ الجنونِ بموسى لكنَّها لا تبدي ذلك لأحدٍ، حتى هو لم تبدِ له ذلك خوفًا من أن يتعالى أو تفسدَ سمعتها ، كانتْ منكفئةً على مشاعِرِها انكفاءَ راهبِ ديْرٍ على أسرارهِ ومايخبئهُ الوجع في جعبتهِ مما لا يبوحُ به لغير الله !
لم تبدِ هوليْ أيَ اعتراضٍ على زواجه من فاتماتا ،بلْ ظلتْ أساريرُ وجهها مفروشةً كسجادٍ فارسيٍ .
لقدْ بدأتْ فعالياتُ العرسِ في بيتِ غاولال، وزُفتْ متُو بَا زوجة حمَّدي ومنَ الطبيعيِ أن تستلقيَ في حِجرِ أمِ زوجها وتذرذَرُ عليها الذرة، وهذا الطقسُ اسمهُ” كوندي” لدى الفلان ويقتضي أنْ تقومَ بذرِها امرأةٌ لم يسبقْ أن طُلقتْ أو تشاكستْ مع زوجها خيفةَ أن تنقلَ هذه العدوى للمتزوجةِ حديثا.
ويُمنعُ على الغير المتزوجة لمسَ تلكَ الذرة المسفوكةِ لأنَ ذلك قد يؤجلُ من أوانِ زواجِها.
وفي خضَّمِ الرهجِ واللغطِ الذَّينِ شابا هذا الطقسَ اكتُشِفَ أنَ فاتيماتا -بنت البيطريّ الأشهر في بوكى زوجة موسى – قد لاذتْ بالفرارِ احتجاجًا على هذا الزواج، وانتبذتْ العاصمةَ نواكشواط.
الأمرُ الذي شكلَ جوًا من الفزعِ والحزنِ والاحتمالاتْ .
كانَ كهلٌ اسمهُ تيّانُو أي (المسعور) يُماتنُ صديقا له بذراعهِ في منزلِ كتيلْ حيثُ يوجدُ موسى العريس ولما تداعى الخبرُ إلى أذنهِ -التي تتلصصُ حتى على الغيبِ كما يزعم أهل القرية -هُرعَ إلى هوليْ ليخبرها وقالَ مداعبًا إيّاها:ما رأيكِ أن تأخذي مكانها وتجنبينا الفضيحة؟
فأبدتْ رفضهَا التامَ مع ضحكةٍ خبيثةٍ ،وهنَاكَ تدخلَ نفرٌ منَّ المتقعرينَّ والمهرجينَ داعمينَ لفكرةِ تيانُو (المسعو)لكنَّها أثناء هذه الدُعابة مانعتْ بشدة .
انفضَّ الناسُ محمَّلينَ بمشاعر مختلفةٍ ،مابينَ منزعجٍ،ومكسورٍ ،ومغتبطٍ بما جرى
ولأنَ الصباحاتِ السعيدة_ كما يقولُ الفلانُ_ تعرفُ منذ الفجرِ فقد تناهى-غبشًا-إلى القرى المجاورة نبأ عقد قرانِ موسى وهوليْ كتيلْ كوميدى تخفيفا من وجع فضيحة الليلة البارحة …لتتخفف هوليْ من حمولاتِ سنينَ من الكبتِ والحرمانِ ،ويمتثلَ موسَى للمشيئةِ والجسدْ!.
داوود جا