لقد شكل نشر تقارير محكمة الحسابات لنتائج أنشطتها الرقابية لعشر سنوات خلت فرحة و صدمة للموريتانيين و تتمثل الفرحة في كون النشر كان استجابة لمعايير الشفافية و تطبيقا للمادة 67 من القانون النظامي رقم 2018 -32 .
و أما الصدمة فتمثلت في حجم النهب الكبير الذي تعرضت له عدة إدارات و شركات عمومية في موريتانيا.و سيضع نشر هذه التقارير من ملفات الفساد السلطة التنفيذية و التشريعية امام تحد كبير و ابرز هذه التحديات ستكون محاسبة من ظهرت اسماؤهم في تقارير محكمة الحسابات و استعادة الاموال المنهوبة . لا شك ان المؤسسات الرقابية تمتلك مخزونا من المعلومات عن المفسدين طيلة 28 عاما من عمر الجمهورية الثانية . و اعتقد ان الدولة لا يمكنها ان تستمر في محاربة الفساد بالشعارات البراقة و تحمي الفساد و المفسدين في الوقت نفسه و يعكس هذا إحساسا متناميا في أوساط المجتمع السياسي و المدني علي حد سواء برسوخ ظاهرة الفساد و استفحالها و بانعكاساتها السلبية علي التنمية و علي الثقة في المؤسسات .و لكن بالرغم من الوقع الإيجابي لإطلاق الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد و بالرغم من وجود خطاب و نوايا سياسية في العقود الماضية و معبر عنها باستمرار فإن معدلات الفساد في بلادنا لم تتراجع . و هنالك تحديات تعيق محاربة الفساد في موريتانيا أولها مرتبط بجدية الإرادة السياسية في محاربة الفساد و كذلك النواقص علي الصعيد القانوني أضف الي ذلك الصعوبات علي إدماج المجتمع المدني في الجهود الرسمية لمكافحة آفة الفساد .
ان محاربة الفساد تتطلب قرارا سياسيا من السلطات الموريتانية الجديدة لأن هذه الظاهرة الخطيرة علي الدولة و مفهومها تكلف الاخيرة كلفة اقتصادية و اجتماعية و سياسية كبيرة لا يمكن لاي دولة تحملها .
ان محاربة الفساد تتطلب مشاركة السلطات الثلاثة في وضع حد لها كما تتطلب مساهمة كبيرة من المجتمع المدني و الإعلام . كما يجب الاعتماد علي الشفافية في نشر تقارير المؤسسات المكلفة بمكافحة الفساد و ضرورة المتابعة و بإحالة هذه التقارير الي القضاء ليقول كلمته بشكل مستقل حتي يشكل ذلك عبرة لمن تسول له نفسه نهب المال العام .
ان ثقافة الفساد أمرا يتطلب الرعاية و التشجيع كونها تتناقض في أصولها و الدين الإسلامي قال تعالي [ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به ان يوصل و يفسدون في الأرض اولاءك هم الخاسرون ] صدق الله العظيم .
و تتناقض كذلك و دستور البلاد في مادته التاسعة عشرة و التي تنص علي ما يلي : ( علي كل مواطن ان يؤدى بإخلاص واجباته إتجاه المجموعه الوطنية و أن يحترم الملكية العامة و الخاصة ) .
و من هذا المنطلق يجب علينا جميعا ان نكثف جهودنا لمحاربة ظاهرة الفساد و المحافظة علي المال العام من الهدر وفقا لما يمليه علينا الواجب الديني .
شيخنا ولد الداه
المستشار القانوني لصونادير .