يوم الخميس 24 تشرين الأول/أكتوبر 1929، شهد العالم بداية أسوأ أزمة اقتصادية بالتاريخ المعاصر، حيث أقبل عدد هائل من الأميركيين نحو بورصة وول ستريت لبيع الأسهم التي استثمروا فيها أموالهم طيلة السنوات الماضية.
وخلال هذا اليوم الواحد الملقب بـ"الخميس الأسود"، شهدت البورصة تداول ملايين الأسهم ليدق بذلك ناقوس الخطر الذي أذعن بقرب هبوب العاصفة الاقتصادية، حيث تواصل هذا الانهيار لنحو 5 أيام ليبلغ أوجه الثلاثاء 29 تشرين الأول/أكتوبر 1929، المعروف بـ"الثلاثاء الأسود"، ولتنتشر بذلك هذه الأزمة نحو بقية دول العالم معلنة عن بداية ما يعرف بالكساد العظيم، الذي تواصل طيلة العقد التالي.
وتعود أطوار بداية هذه الأزمة لعشرينيات القرن الماضي. فعقب نهاية الحرب العالمية الأولى وتوقيع الألمان على معاهدة فرساي، تخلى عدد كبير من الأميركيين عن الحياة الريفية وهاجروا للمدن، بحثاً عن حياة أفضل وأكثر رفاهية تزامناً مع نمو القطاع الصناعي الذي استقطب مزيداً من اليد العاملة.
كما شهدت نفس الفترة نمواً وازدهاراً لافتاً للانتباه للاقتصاد والبورصة الأميركية، حيث بلغ مؤشر داو جونز الصناعي خلال أيلول/سبتمبر 1929 ستة أضعاف ما كان عليه عام 1921، ما دفع العديد من الخبراء الاقتصاديين للحديث عن بلوغ الأسعار أرقاماً مذهلة وتحدثوا عن استحالة انهيار الأسهم، مؤكدين على سهولة تحقيق ثروات طائلة بمبالغ بسيطة عن طريق المضاربة بالأسواق وشراء الأسهم بالبورصة.
وتماماً كما حصل في خضم حمى ذهب كاليفورنيا منتصف القرن 19، أقبل الأميركيون من جميع الطبقات الاجتماعية على المضاربة بالبورصة وشراء الأسهم طمعاً في تحقيق الثروة. فلجأت النسبة الكبرى منهم للتدين من البنوك للحصول على المبالغ اللازمة وتشجعوا على ذلك بعد سماعهم لتقارير تلك الفترة التي أكدت على تراجع نسبة البطالة وازدهار قطاع صناعة السيارات التي قدر عددها عام 1919 بخمسة ملايين سيارة بالولايات المتحدة وارتفع بعد 10 سنوات فقط ليبلغ 27 مليون سيارة.
ومع نمو سوق الأسهم بنسبة 218% ما بين 1922 والخميس الأسود ومنح البنوك للقروض بشكل سهل للمواطنين، لاحظ كثير من الخبراء ظهور ثقة عمياء بالسوق لدى القطاعين الصناعي والزراعي، حيث هيمن الإفراط في الإنتاج، وهو ما أدى بدوره لوفرة المنتوج بالعديد من المواد كالحديد والفولاذ والقمح والحليب. ولجأ المنتجون بسبب ذلك لإتلاف كميات هامة من السلع المخزنة حفاظاً على الأسعار وتجنباً للإفلاس.
وفي آب/أغسطس 1929، عمد بنك احتياطي الفيدرالي بنيويورك لرفع سعر الفائدة من 5 لـ6% أملاً في تحسين الوضع الاقتصادي الذي هدد بالانفجار، بحسب الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال الأميركي، روجر بابسون، الذي تنبأ بقرب انهيار بورصة وول ستريت.وبعد سلسلة من التذبذبات ما بين أيلول/سبتمبر ومطلع تشرين الأول/أكتوبر 1929 وأزمة سوق لندن للأوراق المالية، تحققت نبوءة بابسون. في 18 تشرين الأول/أكتوبر من نفس السنة، بدأت سوق الأسهم بالانهيار بعد أن بلغت طيلة السنوات السابقة أسعاراً خيالية وغير واقعية جذبت مستثمرين من جميع طبقات المجتمع الأميركي.
ويوم الخميس 24 تشرين الأول/أكتوبر 1929، تهافت عدد هائل من الأميركيين نحو بورصة وول ستريت لبيع أسهمهم مقابل مبالغ مالية زهيدة ليشهد بذلك الخميس الأسود كارثة اقتصادية حقيقية، حيث بيع ما يزيد عن 12.5 مليون سهم ليتجاوز بذلك العرض حجم الطلب ولتهوي أسعار الأسهم نحو القاع.
وخلال لحظات، وجد عدد كبير من المضاربين أنفسهم مفلسين كما هوى مؤشر داو جونز بما يزيد عن 22% بحلول منتصف النهار. كذلك تحدثت مصادر تلك الفترة عن أرقام مفزعة، حيث خسرت البورصة خلال الأيام التالية ما يعادل 30 مليار دولار، وهو رقم أكبر بعشرة مرات من الميزانية الفيدرالية الأميركية ويتجاوز ما أنفقته الإدارة الأميركية طيلة الحرب العالمية الأولى.
إلى ذلك تزايدت لاحقاً حدة الأزمة أكثر بسبب الأخبار التي تناقلتها الصحف واستمرت لخمسة أيام لتسفر عن أحداث يوم الثلاثاء الأسود الموافق ليوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1929.
وشهدت نفس الفترة إفلاس نسبة كبيرة من البنوك، حيث هب الزبائن بأعداد هائلة لسحب مدخراتهم وعجز المتدينون عن سداد ما اقترضوه منها. كما أقدم أصحاب هذه البنوك على المضاربة بالبورصة طيلة الفترة السابقة، مستغلين أموال عملائهم أملاً في تحسين أرباحهم.