جددت التصريحات العلنية الاخيرة لرئيس حزب الاستقلال المغربي حميد شباط، حول وحدة بلاده "المطاطية" التي تمتد من طنجة الى نهر السنغال، الاطماع المغربية في سيادة الدولة الموريتانية، ولاداعي للتذكير ان المغرب هو أخر بلد عربي اعترف باستقلال الدولة الموريتانية، لان الخريطة المعتمدة من قبل النظام المغربي مستمدة من الخريطة التي وضعها علال الفاسي مؤسس حزب حميد شباط، وهي خريطة تضُم الى جانب الصحراء الغربية كل من موريتانيا وشرق الجزائر.
والجديد هذه المرة هو تزامن الحملات الاعلامية المغربية ضد موريتانيا مع التوتر الذي تشهده منطقة الكركرات على حدودها مع الصحراء الغربية، مما يفرض التساؤل : ماذا يريد المغرب من موريتانيا؟
يجب التذكير اولا ان المغرب كان يراهن على تضامن او صمت موريتاني بعد محاولته احتلال منطقة الكركرات الصحراوية شهر اغسطس الماضي، لكن ردود الفعل الموريتانية فاجأت الرباط التي كانت تنظر لسياسة الحياد التي انتهجتها موريتانيا في تعاطيها مع قضية الصحراء الغربية بأنها سياسة تعبر عن عجز نواكشوط عن لعب اي دور محوري في المنطقة المغاربية، وبقاء دورها بمثابة عضو ملاحظ الى جانب الاعضاء المؤثرة كالجزائر والمغرب وبدرجة اقل ليبيا في زمن الراحل العقيد القذافي.
وكان الهدف المغربي من احتلال الكركرات هو ضمان تواصل مباشر مع الاراضي الموريتانية مما يمكنه من التأثير في المشهد السياسي الموريتاني، اعتقادا منه ان الطبقة السياسية الموريتانية هي امتداد للاحزاب السياسية المغربية التي تأتمر بــأوامر النظام المغربي ومنها حزب الاستقلال، لكن مواقف الرئيس ولد عبد العزيز من ازمة الكركرات، ونفي موريتانيا الرسمي اي علم لها بالعملية المغربية في المنطقة شكل شبه صدمة لصناع السياسة المغربية الذين تفاجأوا أن موريتانيا عام 2016 ليست موريتانيا التي كانوا يعرفون "ماهي موريتانيا اللي يعرفو".
وامام الحملات الاعلامية المغربية ضد موريتانيا ومحاولة تشويه حربها على الارهاب ، والمساس بسيادتها والتشكيك في استقلالها، تملك موريتانيا الكثير من اوراق الضغط على الطرف المغربي في الوقت الراهن لعل ابرزها هو التلويح بفتح سفارة صحراوية بالعاصمة نواكشوط، وهي خطوة من شانها ان تضع المغرب في حجمه الحقيقي، وتثبت له ان حدوده لم تتعدى "بويزكارن"، اضافة الى تفعيل مقترح اعمار منطقة لكويرة بالتنسيق بين الطرفين الموريتاني والصحراوي، لان الهدف المغربي من مشرع تعبيد الطريق بمنطقة الكركرات كان محاولة السيطرة على لكويرة، رغم ان الجغرافيا تقول ان الطريق الى لكويرة يمر عبر نواذيبو، لكن المغرب كان يحاول وضع منطقة عازلة بين منطقة الكركرات وشواطيء المحيط الاطلسي مما سيمكنه مستقبلا من الوصول الى لكويرة دون المرور عن طريق نواذيبو ، وذلك عبر الطريق الذي انجزه المستعمر الاسباني في المنطقة، وهي معطيات اصبحت تفرض اكثر من اي وقت مضى على السلطات الموريتانية التفكير في اعمار لكويرة وفرض الامر الواقع بالمدينة عن طريق السماح لسكانها الاصليين من الصحراويين الذين شردهم الاحتلال المغربي من العودة اليها واعادة اعمارها من جديد، فترك لكويرة على وضعها الحالي كمدينة اشباح، قد تصبح معرضة في أي وقت لشبح الاجتياح المغربي، برياً عبر الطريق القديم المحاذي لشواطيء الاطلسي، او التخطيط لاجتياحها عبر المحيط بانزال بحري او جوي في إعادة لسيناريو ازمة جزيرة "ليلى" بين المغرب واسبانيا.
وامام استمرار الاطماع المغربية في موريتانيا المستقلة ، اصبح لزاما على موريتانيا استخدام كافة الاوراق الممكنة من اجل الضغط على المغرب للتسليم بمعطيات الامر الواقع الموجودة في الخريطة الجغرافية الراهنة للمنطقة بعيدا عن خريطة علال الفاسي الوهمية، فالواقع يقول ان جنوب الكركرات هناك دولة ذات سيادة تسمى موريتانيا وهي دولة تحتل المرتبة الاولى في حرية الصحافة بالمنطقة العربية حسب تقرير منظمة مراسلوا بلاحدود للعام 2016. وبمنطقة الكركرات يتواجد مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، مايعني ان السيطرة العسكرية المغربية على الاراضي الصحراوية المحتلة تنتهي عند معبر الكركرات، اما السيطرة على الانسان الصحراوي فقد اختصرها الملك المغربي السابق بعبارته الشهيرة "لقد كسبنا الارض لكننا عاجزين عن كسب عقول الصحراويين"، واذا كان المغرب قد اعترف بعجزه عن السيطرة على الصحراء الغربية ، فلماذا ينتهج سياسة "التلواد اللخلط" في علاقاته مع موريتانيا؟.
بقلم : سعيد زروال / صحفي من الصحراء الغربية.