تبدو اللغةُ للوَهْلة الأولى أمامنا وكأنّها كيان موحد وبناء يتسم بتراص لبناته فالذي يستخدمها لا يتعامل معها كأجزاء وإنما يتعامل معها كوحدة متكاملة غرضها هو الإفهام والفهم وعلى هذا الأساس الوظيفي يرى بعض الخبراء أنّها ينبغي أنْ تدرس بيد أنّنا إذا اقتربنا من هذا الكيان الموحد وجدناه فى الحقيقة يتألف من كثير من الفروع والأجزاء المتعددة مثل النحو والصرف والإملاء والبلاغة والإنشاء والأدب والنقد وعلى أساس هذه الفروع المتعددة يرى فريق آخر أنّ اللغة ينبغي أنْ تدرس
وليس هم هذه السطور المفاضلة بين نظرية الوحدة ونظرية الفروع فى تدريس اللغة بقدر ما يهمها أنْ تسأل عن موقف برنامجنا المدرسي منهما وما نصيبه فى ذلك الموقف من النجاح أو الفشل ؟
ولعلنا نستطيع أنْ ندرك بقليل من الجهد أنّ تخصيص كلّ فرع من فروع اللغة داخل برنامجنا المدرسي بنصيب معيّن من الحصص يُمثل انحيازا واضحا لنظرية الفروع على حساب نظرية الوحدة التي ترى أنّ تدريس اللغة فروعا يُؤدي إلى تفتيت المعلومات اللغوية التي ينبغي أنْ تُعطى للتلميذ متكاملة
حتى يستطيع إنتاجها مرة أخرى متكاملة
وكان من المفترض أنْ تُوازن مادةُ الإنشاء فى برنامجنا الدراسي بين الطريقين فى البرنامج عن طريق النهوض بالدور التكاملي للغة
فتكون هي البوتقة التي تتجمّع فيها عيونُ النصوص وروائعُ البلاغة ثم يعصم الإملاءُ المفردات ويحفظ النحو التراكيب
إلا أنّ تأثّر أغلب مدرسي المادة بالمنهج المحظري الذي يَتخِذ من دراسة فروع اللغة غاية وهدفا مع إهمال المادة فى الفصول المدرسية وعدم اتساع الوقت المخصص لها للتمرس والتدريب
على التعبير بشتّى أنواعه ومسألة الاكتظاظ أمور كلها مع أخرى حالت دون أنْ تُحقق المادةُ أهدافَها المرجوة
وليس فرع الإنشاء هو المجال الوحيد الذي تلتقي فيه عناصرُ اللغة جميعا بل إنّ النص وتحليله أرضيةٌ أخرى تُمكِّن الطالبَ من رؤية الفروع وهي تتعاون على تحقيق موقف لُغوي واحد يقصر فيكون جملة ويطول فيكون نصا وفى ظلال النص يُطلب من التلميذ أنْ يعالج العنصر الواحد مرتبطا بالعناصر الأخرى
لكن الطريق إلى النص –هو الآخر - طريق غير سالك لا من التلاميذ فحسب وإنما من الأساتذة أيضا
والأسباب وراء ذلك كثيرة لعل من أوضحها تجذر طريق الفروع فى التدريس - كما سبق وأنْ أشرنا - وفقدان المنهج المناسب
فالكتاب المدرسي عادة ما يُقرر نصا مشفوعا بأسئلة تبحث عن معنى النص دون أنْ يَرْبط أو يُنظم تلك الأسئلة ناظمٌ منهجي أو رابط عقلي وهذه الوضعية خلّفت أزمة واضطرابا فى التعامل مع النصوص داخل الفصول
فهذا أستاذ يُحلل نصا انطلاقا من خلفية تاريخية وذاك يحلل نفس النص بأدوات المنهج البنائي أو النفسي ....إلخ
ومن هنا تنشأ الحاجة الماسة إلى إيجاد خطوات منهجية مبسطة على أساسها يتوحد إجراء درْس النصوص داخل الفصول
ويتعود التلاميذ على التعامل معها قبل السنة الأخيرة من التعليم الثانوي ولسد هذا النقص يمكن بلورة آلية تحليل مبسطة تستند إلى المعارف التي بيد التلاميذ
لأجل تركيب تلك المعارف وبث الحيوية والنشاط فيها وذلك عن طريق الاعتماد على نحو الجُملة أو نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني لا كما نظّر لها الرجل بشكل عام وإنما يكفي إدماج دروس الإسناد وأحوال المسند والمسند إليه ومتعلقاتهما فى برنامج المرحلة الإعدادية كقواعد مقررة على أن تُتخذ فى المرحلة الثانوية كأدوات لتحليل المستوى التركيبي أو الجملة لأنها هي التي تُحقق نصية النص
فالتلميذ الذي أخذ فى السنة الأولى من الإعدادية درْس الجملة الاسمية والفعلية وأخذ النكرة وأنواع المعارف يسهل عليه أنْ يعرف فى السنة الثالثة من نفس المرحلة دُروس البلاغة المرتبطة بأحوال المسند والمسند إليه وما يعتريهما من ذكر وحذف وتعريف وتنكير ...لأنّ دروس علم المعاني أثرٌ لدروس النحو كما يسهل عليه أنْ يطبق نفس الدروس على الجُملِ فى المرحلة الثانوية
فدروس الإسناد هذه تُمثل التطبيق العقلي والنفسي للقاعدة النحوية وهي خطوة أولى نحو الاندماج اللغوي .
سيدي محمد ولد محمد محمود