حدد خبراء اقتصاديون ثلاثة أسباب دفعت السعودية إلى تقديم ميزانية "متوازنة" للعام المالي 2017، مؤكدين أن أهم ما تطرقت له الميزانية الجديدة هو خفض العجز المتوقع بنسبة كبيرة.
وأعلنت المملكة السعودية اليوم، الميزانية الجديدة التي بلغت جملتها نحو 890 مليار ريال بزيادة نحو 8% عن إجمالي موازنة العام الماضي.
وكانت المفاجأة في الميزانية الجديدة هي توصل حكومة المملكة إلى خفض العجز المالي بنسبة تصل إلى 33%، حيث من المتوقع أن ينخفض إجمالي العجز في الموازنة العامة من نحو 297 مليار ريال في العام 2016 ليصل في الميزانية الجديدة إلى نحو 198 مليار ريال.
ثلاثة محاور
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد كمال، قال لـ"عربي21"، إن هناك ثلاثة أسباب تقف وراء تقديم ميزانية "متوازنة" للسعودية، يأتي على رأسها خطة التحول الوطني التي تتبناها المملكة بقيادة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ورفعت المملكة مخصصات برنامح التحول الوطني 2020 من نحو 9 مليارات ريال في العام 2016 لتصل إلى نحو 42 مليار ريال في العام 2017 بنسبة زيادة تقدر بنحو 36%.
خطة التقشف
أما السبب الثاني فيتمثل في خطة التقشف التي وضعتها الحكومة السعودية والتي بدأت تنفيذها بالفعل وتمثلت في توجيه الدعم إلى مستحقيه مع خفض المخصصات الإجمالي لدعم الوقود وأيضا الاتجاه إلى خصخصة بعض المؤسسات التابعة للحكومة، وأيضا رفع أسعار الوقود والخدمات الحكومية بنسب تتماشى مع خطة المملكة في التحول إلى اقتصاد متنوع غير قائم على عائدات النفط فقط.
وقدرت الإيرادات النفطية في الميزانية الجديدة بنحو 480 مليار ريال بزيادة تتجاوز إيرادات 2016 بنسبة 46% فيما تقدر الإيرادات غير النفطية بنحو 212 مليار ريال بزيادة 13 مليار ريال عن 2016 تمثل نسبة زيادة بنحو 6.5%.
اتفاق أوبك
وتابع "كمال" أن السبب الثالث والجوهري في تقديم ميزانية متوازنة للسعودية تمثل في الاتفاق التاريخي الذي توصلت له منظمة أوبك بخفض إنتاج النفط، ما دفع إلى تحسن الأسعار خلال الفترات الماضية وسط توقعات بارتفاع أسعاره بمجرد البدء الفعلي في تنفيذ الدول الأعضاء في المنظمة لعملية خفض إنتاج النفط.
وتوقعت وزارة المالية السعودية أن تحقق الميزانية السعودية إيرادات بنحو 692 مليار ريال خلال عام 2017 وذلك عندما يبلغ متوسط سعر برميل النفط نحو 55 دولارا.
وفي 2018، عند متوسط أسعار نفط بـ 61 دولارا للبرميل، إيرادات الميزانية السعودية ستبلغ 889 مليار ريال، مقابل نفقات متوقعة بـ 928 مليارا أي عجزا محتملا عند 39 مليار ريال.
وفي 2019، من المنتظر أن تتحول الميزانية السعودية إلى تحقيق فائض، يفوق 20 مليار ريال بإيرادات عند 969 مليار ريال، ونفقات تقدر بـ 950 مليارا، وذلك عند متوسط سعر لبرميل النفط بـ 65 دولارا.
ومن المتوقع أن يمتد تحقيق الفوائض إلى عام 2020، عند تقديرات بمتوسط سعر لبرميل النفط بـ 66 دولارا، وذلك بتحقيق فائض يقدر بـ 119 مليار ريال، نتيجة إيرادات بـ 1.072 تريليون ريال، ونفقات بـ 953 مليار ريال.
التوازن المالي
ووفقا لما جاء في الميزانية الجديدة فإن وزارة المالية السعودية تعمل وبالتعاون مع الجهات الحكومية والوزارات الأخرى وشركائها على عملية التحول الوطني، وتواصل تطوير أعمالها وإجراءاتها والتي من أهمها برنامج تحقيق التوازن المالي هو أحد البرامج الأساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030.
كما يهدف إلى إعادة هيكلة الوضع المالي وتقويته واستهدافه تحقيق التوازن المالي من خلال الاستمرار في المراجعة الشاملة للإيرادات والنفقات والمشاريع المختلفة وآلية ومعايير اعتمادها، ومن أبرز مكونات هذا البرنامج رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي وتنمية الإيرادات غير النفطية ورفع كفاءة الدعم الحكومي بما في ذلك توجيه الدعم إلى الفئات المستحقة.
وأيضا دعم النمو الاقتصادي وتحفيز القطاع الخاص ودعم القطاع الصناعي والاستمرار في تحسين إجراءات إعداد الميزانية والتخطيط المالي بتطبيق أفضل الممارسات العالمية.
تباطؤ النمو
وتباطأ النمو الاقتصادي إلى 1.4% في 2016 ليقل كثيرا عن متوسطه البالغ 4% في السنوات العشر الماضية في ظل إجراءات التقشف التي أثرت سلبا على دخول المستهلكين ودفعت الشركات الخاصة للعزوف عن الاستثمار رغم أن استثماراتهم ضرورية لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليص اعتماده على النفط في الأمد الطويل.
وقالت وزارة المالية إن موازنة 2017 تهدف إلى دعم الاقتصاد السعودي من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية في حين ستتبنى المملكة نظاما جديدا للدعم النقدي للمواطنين الأشد فقرا تعويضا لهم عن تأثير رفع الحكومة لأسعار الطاقة المحلية تدريجيا بهدف تخفيف عبء الدعم.
تنويع الاقتصاد
وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور فاورق عبد الحي، أن الميزانية الجديدة تؤكد أن المملكة بدأت بالفعل تتجه إلى عدم الاعتماد على عائد بيع النفط فقط في إجمالي الموراد العامة للدولة، مشيرا إلى أن سيطرتها على العجز المالي سوف يدفعها خلال الفترة المقبلة إلى مواصلة خطط تنويع اقتصادها.
وأشار في حديثه إلى أن الموازنة مقبولة بالنسبة للمواطن السعودي، خاصة وأنها تحدثت عن أهمية وصول الدعم لمستحقيه، ما يشير إلى أن الحكومة سوف تراعي محدودي الدخل عند القيام برفع أسعار الطاقة أو المحروقات خلال العام المالي المقبل.