تعتبر موريتانيا من بين الدول التي تمتلك ثروات طبيعية هامة، يختلف توزيعها حسب البنية الجيولوجية للبلاد، البعض منها في طور الاستغلال والبعض لما يستغل بعد.
بيد أن أهم تلك الثروات المعدنية التي لاقت اهتماما كبيرا في صفوف المواطنين في السنوات الأخيرة - بعد سماح السلطات للمواطنين بالتنقيب عنها- ثروة الذهب التي أضحت مناطقه جهة مفضلة لدى طيف كبير من الباحثين عن لقمة العيش أو عن ثراء سريع قد يحول أحدهم من معدم ماديا إلى غني بين عشية وضحاها.
ومع تثمين كل ما من شأنه أن يقلل من الفقر في صفوف الطبقات الأكثر هشاشة، وفتح المجال أمامها للاستفادة من خيرات بلادها المدفونة في باطن الأرض، إلا أن عمليات الترخيص التي تسمت بالفوضوية والانتقائية في بعض الأحيان، إضافة إلى عدم تأهيل وتكوين الأفواج الهائلة التي اقتحمت مجال البحث والتنقيب دون سابق إنذار، أدت إلى كوراث جمة راح ضحيتها عشرات الشباب من أبنائنا، الذين قل ما يمضي يوم إلا وأخبارا سيئة قادمة من مضارب خيامهم المتناثرة في صحراء الذهب، مفادها أن بئرا سقط على من في قعره حيث طمروا أحياء بين جدرانه، أو أن منقبين ماتوا عطشا وهم تائهون في فيافي لا رسم ينير الطريقة فيها و لاساقية تروي ظمآنا أجهده السير والعوز.
إن سقوط عشرات القتلى في صفوف المنقبين لأمر محزن، خصوصا أن العديد منهم يقضون في قبور هم من حفروها بأيديهم، حيث يعجز زملاؤهم عن انتشال جثثهم وهم الذين لا يملكون سوى أدوات بدائية لا تستطيع إفراغ أطنان من أكوام التراب المنهالة في قاع سحيق يصل طوله إلى عشرات الأمتار في بعض الأحيان، في تربة لا يعرف من حفروا فيها الحفر والآبار، خصائصها ولا مدى الصلابة في صخورها.
إنه والحالة هذه، فلا يمكن أن تبقى السلطات الرسمية في البلد تتفرج على هذا الموت الجماعي، الذي دفن فيه العديد من أبناء شعبنا أحياء تحت أطنان من الصخور لا لجرم ارتكبوه سوى أنهم كانوا عصاميين كادحين، يريدون تحصيل لقمة عيش بطريقة كريمة، ولو كانت محفوفة بالمخاطر.
إن على السلطات أن توقف هذا النزيف في صفوف المنقبين عبر تكوينهم وتأطيرهم على أساليب الحفر الآمن للبحث عن الذهب، أو أن تكون هناك طواقم للإنقاذ والتدخل في الوقت المناسب، وإذا لم تكن قادرة على فعل هذا الأمر فمن باب الحفاظ على أرواح الناس؛ يجب التوقف عن الترخيص في المناطق ذات الهشاشة الصخرية، حتى تخلق آليات لاستغلالها من طرف الأفراد بدون خسائر في الأرواح.
فلتوقفوا عمليات الموت الجماعي سيادة الرئيس.!
الكاتب، احمد جدو ولد محمد عمو