في الأسبوع الأول من أغسطس/آب القادم (وهو شهر الأزمات السياسية في موريتانيا) سوف يستلم محمد بن الشيخ الغزواني مهامه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية خلفا لصديقه ورفيقه في السلاح والانقلابات والحكم محمد ولد عبد العزيز.
بين المحمدين علاقة وطيدة استمرت طيلة أربعين سنة أو أكثر، ويروج الرئيس المغادر بأن خلفه سيكون امتدادا له، بينما يتساءل مقربون من الرئيس الجديد ”هل كل أخ هو نفس أخيه“؟
بين جدلية الاستمرار والقطيعة، يفرح الموريتانيين بتجربتهم الديمقراطية التي تعتبر استثناء عربيا، أو حالة عربية نادرة، كما تعتبر أيضا حالة أفريقية مستمرة، مقارنة مع عدد من الدول الأفريقية الأخرى، رغم أن الديمقراطيات الأفريقية تتجه نحو مزيد الاستقرار منذ فترة.
يُنتخب ولد الشيخ الغزواني ليكون ثاني رئيس مدني يصل إلى الحكم أول مرة عبر صناديق الاقتراع وليس عبر فوهات المدافع وفرض الأمر الواقع كما جرت بذلك العادة منذ استلام العسكر للحكم في موريتانيا في 1978.
كما أن ولد الشيخ الغزواني هو رابع رئيس مدني لموريتانيا بعد أسلافه:
– الرئيس المؤسس المختار ولد داداه (1960-1978) وهو أول رئيس لموريتانيا وقد أطيح به في انقلاب عسكري في 10 يوليو/تموز 1978.
– الرئيس سيد محمد بن الشيخ عبد الله (2007-2008) وهو أول رئيس مدني منتخب لموريتانيا، وقد حكم لمدة سنة ونصف قبل أن يطيح به انقلاب عسكري قاده الجنرالات المحمدون (محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني ومحمد ولد مكت ومحمد ولد الهادي).
– بامامادو إمباري (2009) رئيس مجلس الشيوخ سابقا، وقد تولى الحكم لأشهر قليلة بعد شغور منصب الرئيس إثر استقالة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز تمهيدا لترشحه للرئاسة في العام 2009.
– محمد ولد الشيخ الغزواني الرئيس المنتخب رسميا في اقتراع 20 يونيو/حزيران 2019 وقائد الجيوش السابق
سلسلة الانقلابات
لم تعرف موريتانيا سلطة وطنية مستقرة قبل استقلالها في العام 1960 عن المستعمر السابق فرنسا، وبعد الاستقلال قادها المحامي المختار ولد داداه مدة 18 سنة كانت بداية تأسيس قوي لدولة جديدة بين محيط من الرمال والمحيط الأطلسي.
وفي منتصف العام 1978، وفي فجر يوم 10 يوليو/تموز 1978 دخلت موريتانيا منعطفا كبيرا حين بدأت مسارها مع الحكم العسكري؛ عندما أطاح الجيش بالرئيس المختار ولد داداه، فاتحين بذلك سلسلة من الانقلابات والمحاولات الانقلابية الفاشلة، وكان المبرر الذي قدمه العسكريون للإطاحة بحكم الرئيس المؤسس هو الثمن الفادح الذي بدأ الجيش يدفعه في حرب الصحراء التي أنهكت الدولة الموريتانية.
وهذه أبرز حلقات الانقلابات العسكرية:
– انقلاب المصطفى محمد السالك (10 يوليو/تموز 1978): تولى قائد الجيش الموريتاني الراحل المصطفى ولد محمد السالك زمام الحكم في موريتانيا بعد أن أطاح بالرئيس المختار ولد داداه، وسجنه في معتقل بمدينة صحراوية نائية تدعى ولاته (1300 كلم شرقي العاصمة) في ظروف سيئة، وبدأ مجلس عسكري جديد إدارة البلاد قبل أن تنشب الخلافات بين أعضائه، ويتم تقليص صلاحيات الرئيس العقيد المصطفى ولد محمد السالك لصالح الوزير الأول العقيد أحمد ولد بوسيف الذي توفي في حادث سقوط طائرته في المحيط الأطلسي سنة 1979 في ظروف غامضة.
– انقلاب محمد محمود ولد الولي (3 يونيو/حزيران 1979): في هذا التاريخ أصبح المقدم محمد محمود ولد الولي رئيسا للبلاد إثر انقلاب أبيض قاده ضباط من اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني، أزاحوا بموجبه ولد محمد السالك وعينوا خلفه الرئيس الذي يوصف بالزاهد محمد محمود ولد الولي الذي غادر الحكم والجيش بعد فترة وجيزة، حيث اعتزل في بيته ومسجده إلى حين وفاته في 16 مارس/آذار 2019.
– انقلاب الرئيس محمد خونه ولد هيدالة (4 يناير/كانون الثاني 1980): مع بداية الثمانينات، وتحديدا في 4 يناير/ كانون الثاني 1980؛ أزاح المقدم محمد خونه ولد هيدالة كل الرموز العسكرية واستولى على الحكم بقوة لمدة أربع سنوات قطع فيها العلاقات الموريتانية مع مؤسسات النقد الدولي، وأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية قبل أن تتم الإطاحة به في انقلاب قاده رئيس الأركان العقيد معاوية ولد الطايع في 12 ديسمبر/كانون الأول 1984 حيث ألقى برئيسه السابق في سجن استمر أربع سنوات.
محمد ولد الشيخ الغزواني الرئيس المنتخب رسميا في اقتراع 20 يونيو/حزيران 2019 وقائد الجيوش السابق
– انقلاب معاوية ولد الطايع (12 يسمبر/كانون الأول 1984): في هذا اليوم تمكن الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران وبعد إلحاح من إقناع محمد خونه ولد هيدالة بمغادرة البلاد لحضور مؤتمر يجمع بعض زعماء أفريقيا وفرنسا في بوجمبورا عاصمة بوروندي، وما إن أقلع ولد هيداله حتى كانت وحدات من الجيش بقيادة العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع تحيط بالقصر الرئاسي وتستولي على الحكم وتعلن بيانها الأول.
أعلن ولد الطايع تأسيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني التي حكمت موريتانيا من 1984 إلى 1992 حيث بدأت الجمهورية الثانية بإقرار دستور مدني وتنظيم انتخابات نيابية وبلدية ورئاسية، انتهت بفوز الرئيس معاوية ولد الطايع بالحكم على منافسه أحمد ولد داداه في انتخابات شابها الكثير من التزوير وعدم الشفافية –كما تقول المعارضة- وبدأت حقبة جديدة من حكم عسكري ببزة مدنية.
– الإطاحة بولد الطايع (3 أغسطس/آب 2005): في هذا اليوم بلغت الأزمة السياسية في موريتانيا أقصى مداها مع اعتقالات واسعة للسياسيين ورموز التيار الإسلامي والعلماء والمشايخ، ووجد العسكريون فرصة سانحة للإطاحة برئيسهم ولد الطايع بعد عشرين سنة من سيطرته على الحكم.
وتولى تدبير الانقلاب الرئيس الحالي المنتهية ولايته العقيد محمد ولد عبد العزيز وشريكه الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني، واختار القادة العسكريون اسم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية لمجلسهم العسكري، كما اختاروا مدير الأمن العقيد إعلُ ولد محمد فال لإدارة مرحلة انتقالية انتهت بفوز المرشح المدعوم من العسكر سيد محمد ولد الشيخ عبد الله في الجولة الثانية على منافسه المعارض البارز أحمد ولد داداه.
– حركة التصحيح (6 أغسطس/آب 2008): في صبيحة هذا اليوم أطاح الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالرئيس المدني المنتخب سيد محمد ولد الشيخ عبد الله بعد أن وصل الخلاف بين الطرفين مرحلة اللاعودة.
وقبيل بيان الانقلاب كانت الإذاعة الرسمية تذيع فجر اليوم ذاته بيانا آخر موقعا من الرئيس ولد الشيخ عبد الله يعلن فيه إقالة أربع قادة عسكريين على رأسهم ولد عبد العزيز، ولكن الرد جاء سريعا باحتجاز الرئيس وإعلان سيطرة ما عرف لاحقا بالمجلس الأعلى للدولة على الحكم، لتدخل البلاد في أزمة سياسية قوية بين مناوئي الانقلاب والسلطة العسكرية الجديدة، قبل أن ينتهي الأمر بما عرف باتفاق دكار في 2009 الذي أنهى الأزمة السياسية مؤقتا، وفتح باب الترشح للزعامات السياسية ليخطف الرئيس محمد ولد عبد العزيز فوزا رئاسيا مكنه من الاستمرار في الحكم لمأموريتين تنتهي أخيرتهما مع بداية شهر أغسطس/آب القادم.
في صبيحة يوم 6 أغسطس/آب 2008 أطاح الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالرئيس المدني المنتخب سيد محمد ولد الشيخ
انقلابات فاشلة
خلال فترة حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع تعددت المحاولات الانقلابية الفاشلة مع تعقد الأزمات السياسية والمجتمعية، وبدا أن المؤسسة العسكرية تمثل وحدها متنفسا للباحثين عن السلطة أو الهاربين من لهيب الظلم وعدم الإنصاف.
ورغم أن الرئيس الأسبق ولد الطايع نجح في تفادي انقلاب ناجح عليه خلال عقدين، فإن المحاولات لم تتوقف؛ تكمن أحيانا وتظهر في أحيان أخرى. وهذه أبرز المحاولات الانقلابية الفاشلة:
– انقلاب الضباط الزنوج سنة 1987: تم الكشف عنه قبل تنفيذه، واعتقل على خلفيته المئات من الضباط والجنود الزنوج، وتم الحكم بإعدام ثلاثة منهم قبل أن تتورط السلطات العسكرية في عمليات إعدام خارج القانون، لتفتح بذلك ملف أزمة عرقية واسعة لا تزال موريتانيا تعاني مخلفاتها.
وثق الضابط الأفريقي الموريتاني محمدو سي مشاهد مروعة من التعذيب والتصفيات الجسدية لأولئك الضباط والجنود من داخل سجن ”إنال“ بالشمال الموريتاني، وذلك في كتابه ”جحيم إنال“ (Enfer d’Inal).
– انقلابات فرسان التغيير بين عامي 2003 و2004: وهي محاولات انقلابية فاشلة، تمت بقيادة الرائد السابق صالح ولد حننا الذي سيطر على العاصمة نواكشوط طيلة يوم كامل في العام 2003، قبل أن يستعيد الرئيس معاوية ولد الطايع السيطرة ويظهر على التلفزيون الرسمي وهو يعلن تدمير قوات الانقلابيين ”دبابة دبابة“.
وتجددت المحاولات ذاتها في العام الموالي 2004، قبل أن يُعتقل عدد من أهم قادة فرسان التغيير وفي مقدمتهم رئيس التنظيم العسكري صالح ولد حننا.
– انقلاب أنصار الرئيس ولد الطايع: وبعد الإطاحة بالرئيس معاوية ولد الطايع في العام 2005، اعتقلت السلطات الموريتانية مجموعة من أنصار وأقارب الرئيس معاوية ولد الطايع بتهمة التخطيط لإعادته للسلطة، قبل أن تفرج عنهم بعد أن اتضح أن الانقلاب كان في مراحله الأولى ودون تنسيق مع المطاح به وفقا لما ذكرته مصادر قريبة من السلطة حينها.
في سجل الذكريات الموريتانية تاريخ طويل من الانقلابات، وحتى قبل الاستقلال وأيام نشأة الإمارات الإقليمية التي توزعت حكم موريتانيا، كان الانقلاب أو ما يعرف ”بالغدرة“ هو الوسيلة الأسرع والأضمن للوصول إلى السلطة.
تحتفي موريتانيا بإنجازاتها الديمقراطية، وبـ“جمهوريتها الرابعة“، دون أن يعني ذلك كبت شهوة العسكر للحكم بشكل قاطع، فطالما قفزوا إلى السلطة في الهزيع الأخير من الليل تحت مسميات الإنقاذ والخلاص والتصحيح، وأحيانا دون مسمى.
المصدر: الجزيرة