ينتمي المرحوم العقيد محمد ولد أبه ولد عبد القادر، المغامر الكبير والشجاع حد التهور، الي الجيل الأول من الضباط الذين شاركوا في تكوين النواة الأولي لما سيعرف فيما بعد بالجيش الموريتاني. وبصفته طيارا فقد تولي قيادة السرب الجوي الموريتاني، وساهم أيضا في تكوين العديد من الطيارين.
في 10 يوليو 1978 أصبح الراحل قائدا للأركان الخاصة للرئيس الجديد للبلاد، قبل أن ينضم للجنة العسكرية للخلاص الوطني في 6 ابريل 1979 ولم يكد يمضي شهران حتى قدم استقالته من اللجنة العسكرية ومن الحكومة ولجأ إلي المغرب.
في 16 مارس 1981 قام صحبة المرحوم العقيد اخمد سالم ولد سيدي بمحاولة لقلب نظام ولد هيداله، وفشلت المحاولة وتم إعدام الرجلين في 25 مارس 1981.
كان المرحوم كادير يسجل وقائع وتفاصيل الاحداث بخط يده رغبة منه فى سردها للاجيال التي تاتي بعده ونشرها فى مؤلف فى نهايته عمره المهني، لكن الموت داهم المرحوم قبل ان يكمل كتابة مذكراته.
يقول كادير انه عندما قرر كتابة تللك الوقائع كان مدفوعا بحافز داخلي غامض "بدا وكأنه يجبرني جبرا علي القيام بهذه المهمة، ولم أكن مهتما بالشكل أساسا بل كان علي أن أسرد الأفكار والوقائع بسرعة لأن الأحداث كانت تتسارع، كما أنني كنت عرضة لأخطار واحتمالات لا يمكن التنبؤ بها لا يمكن التنبؤ بها، وبالتالي فلم يكن من حقي أن أكتم بعض الوقائع أو أجازف باحتمال نسيانها".
وقد حصلت "اقلام" على موافقة اسرة المرحوم كادير على ترجمة ونشر المذكرات باللغة العربية.
تبدأ هذه المذكرات من بداية حرب الصحراء، وتنتهي بلجوئه إلي المغرب. وستنشر اقلام المذكرات فى حلقات اسبوعية.
الحلقة الأولي: الشرارة الأولي لحرب الصحراء
الوقائع التي أريد أن أسردها هنا ربما أكتبها للأجيال القادمة، وستكون تفاصيل هذه الوقائع موضوعا لمؤلف أنوي انجازه، بحول الله، في نهاية عمري المهني.
هذا التوثيق الذي احتفظ به، وإن كان مبعثرا بكل تأكيد، فانه يمثل جزءا هاما من هذا المؤلف الذي يسرد ببساطة بعض الأحداث التي طبعت عملي كجندي سواء كنت فاعلا أو شاهدا عليها.
وعندما قررت كتابة هذه السطور كنت مدفوعا بحافز داخلي غامض بدا وكأنه يجبرني جبرا علي القيام بهذه المهمة، ولم أكن مهتما بالشكل أساسا بل كان علي أن أسرد الأفكار والوقائع بسرعة لأن الأحداث كانت تتسارع، كما أنني كنت عرضة لأخطار واحتمالات لا يمكن التنبؤ بها لا يمكن التنبؤ بها، وبالتالي فلم يكن من حقي أن أكتم بعض الوقائع أو أجازف باحتمال نسيانها.
في 19 نوفمبر 1975 رجعت الي نواكشوط بعد غياب دام خمسة وأربعين يوما أمضيتها في ايرلندا من اجل شراء طائرتين من نوع "سكاي فان" لحساب إدارة الطيران. هذه العملية كانت ثمرة لسنوات طويلة من الصبر والجهود التي مورست علي الحكومة من اجل إقناعها بضرورة الحصول علي نواة للطيران في بلد شاسع المساحة كبلدنا. وسأنشر في الكتاب الذي أنوي إصداره كافة تفاصيل ومراحل هذا الصراع الطويل من خلال الوثائق الرسمية. كما أن اختيار هذا النوع من الطائرات قد سبب انتقادات عنيفة في بعض الأحيان، لكن الأحداث والتحليل السليم والموضوعي للوضعية القائمة حاليا قد برهنت على أني كنت علي صواب، وسأعود في الكتاب بشيء من التفصيل في هذه النقطة بالذات.
وقد كان وصول هاتين الطائرتين قبيل الاحتفال بالذكري الخامسة عشرة لعيد الاستقلال الوطني، وكانت مفاجأة الجميع كبيرة عندما تم استخدامهما في افتتاح واختتام العرض العسكري في عيد الاستقلال بالرغم من أنه لزم الكثير من الإصرار علي السلطات المنظمة لمراسيم الاحتفال كي تقبل بمرور هذه الطائرات التي لم يكن أحد يرغب بمشاركتها.
أما أنا شخصيا فبدل أن أكون في مقعد قيادة الطائرة تم تكليفي بتنظيم وقيادة العرض العسكري لقواتنا المسلحة وقوات الأمن، كنت طبعا فخورا لكون الاختيار وقع علي شخصي لكنني كنت أشعر بالخيبة لأن الطيران الذي كافحت في سبيله سنينا عديدة والذي بدأت نواته تتشكل في هذه الذكري الخامسة عشرة يتم تناسيه تماما. المهم أن العرض جري في أحسن الظروف، وكان مرور الطائرتين من أكبر وأعظم مراحل العرض.
بعد هذه المناسبة كنت أعتقد أنني يمكن أن أستفيد من القليل من الراحة أو حتى من عطلة قصيرة، إلا أن الأمور تعقدت آنذاك، كما ساءت الأوضاع في الشمال، وأصبحت البلاد علي عتبة أهم أحداث عاشتها.
كانت لدينا مطالب في الصحراء أو علي الأقل في جزء منها، كما أن المغرب أيضا يطالب بجزء منها، وهكذا حصل اتفاق بيننا والمغرب لكن الجزائر ولأسباب أنانية كانت تحاول إفشال مساعينا الموحدة، وهكذا سعت إلي دعم البوليساريو في المجالين السياسي والعسكري.
ولكي تتلافي الدخول في النزاع قبلت اسبانيا التنازل عن الصحراء للبلدين المطالبين بها (المغرب وموريتانيا). وبالتزامن مع ذلك كان هناك نشاط سياسي محموم في العواصم الأربعة، لكننا سرعان ما وجدنا أنفسنا ندخل في مرحلة النزاع المسلح.
في 9 دجمبر 1975 هاجمت البوليساريو بير أم اكرين وإنال، وتعرضت لخسائر فادحة خصوصا في "إنال" بالرغم من أنها كانت المبادرة بالهجوم، في هذه الأثناء كنت في انواذيبو صحبة وزير الدولة للسيادة الداخلية، احمد ولد محمد صالح، وقد بدأت درجة الحرارة والاضطراب ترتفع، وتقدم قائد القطاع الرائد أحمدو ولد عبد الله إلي الوزير بطلب السماح له ببدء الهجوم، واتصل الوزير بنواكشوط وأعطاه إذنا شفهيا بالموافقة، لكن الرائد احمدو افهم الوزير بصفة مهذبة بأنه يريد أمرا مكتوبا، ووعده هذا الأخير بأنه سيوافيه بأمر مكتوب عندما يعود الي نواكشوط، ومن ثم قام الرائد احمدو فورا بتدابير جمع قواد وحداته. وفي نفس اليوم جاء الأمر الذي طلبه من قيادة الأركان، مع العلم ان العملية كانت مقررة سلفا على كل حال، لأنه كان لا بد من الاستيلاء علي "لكويره".
أثناء ذلك لاحظت أن وجودي في نواذيبو لم يكن ضروريا وهو ما أكده لي قائد القطاع الرائد احمدو، عندما طلب مني العودة إلي نواكشوط لأن تلك كانت تعليمات وزير السيادة الداخلية، ومن ثم أخذت الإذن بالانصراف وأقلعت متوجها إلي العاصمة.
لقد تابعت آنذاك الأحداث عن قرب تارة ومن بعيد أخري، عندما كنت أقوم بجولات مستمرة ليلا ونهارا بين نواذيبو وإنال واتميميشات وبولنوار ونواكشوط وتيشله، أحمل خلالها المعدات والأفراد.
في الحلقة القادمة: الهجوم على "لكويره.