بعد أيام سنحتفل ربما بالذكري الثامنة و العشرون لقيام الجمهورية الثانية في موريتانيا في 20 يوليو 1991 و التي هي صورة طبق الأصل للنظام الرئاسي الفرنسي ، هذا النظام الذي يمارس فيه رئيس الجمهورية و بنفسه اختصاصات السلطة التنفيذية ،فهو الذي يسود و يحكم في الوقت ذاته و يقوم بوضع سياسة الدولة العامة .
فما هي العراقيل التي واجهت الجمهورية الثانية في عقود ها الأولي ؟ و ما هي النجاحات التي سجلت في ظلها حتي الآن؟ و هل يمكننا المطالبة بتطبيق ديمقراطية تشاركية بدل الديمقراطية التمثيلية المجحفة بنا ؟ .
كان من بين العوامل التي أدت إلي قيام الجمهورية الثانية في 20 يوليو 1991 تلك الضغوطات التي مارسها البنك الدولي و منظمة الاقتصاد و التنمية في سنة 1989 علي الحكومة الموريتانية و كذلك الضغط الذي مارسه الرئيس الفرنسي السابق متراه خلال القمة السادسة عشر علي الأفارقة بإدراج إشكالية الديمقراطية و التنمية في المؤتمر و خاطبهم و بكل وضوح بأنه يدعوهم الي إنهاء الأنظمة الشمولية و التفكير العاجل في إرساء دولة المؤسسات .
و لهذه الأسباب المذكورة أعلاه بادرت موريتانيا في وضع آليات دولة المؤسسات ، و في 20 يوليو 1991 تم إقرار دستور هذه الجمهورية ، و مهدت الطريق للتعددية و حاولت الحكومات المتعاقبة تطبيق معايير الحكامة الرشيدة و التي من أهمها :
- دولة القانون
- إدارة القطاع العام
- السيطرة علي الفساد
و تحققت بعض النجاحات في إرساء دولة القانون ، إلا أن النواقص كانت أكثر في العقد الأول من عمر هذه الجمهورية و من بين هذه النواقص التعارض الدائم بين الواقع السياسي مع أبسط المبادىء الأولية للديمقراطية حيث هيمن الحزب الواحد و كان هو المسيطر طيلة ثلاث مأموريات علي الواجهة السياسية الي غاية 25 يونيو 2006 حيث تم إقرار تعديلات دستورية علي دستور هذه الجمهورية و من أهم هذه التعديلات هو تعديل المادة 28 و التي جاء في نصها الجديد : يمكن اعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة .
و من هذا التاريخ شهدت موريتانيا أكبر إصلاح دستوري يستحق التثمين .
و من هنا يجب علينا أن لا نتوقف عن المطالبة بإصلاحات دستورية أخري و بضرورة أن يأخذ الدستور الموريتاني دوره السياسي المؤسس و نسعي ان يأخذ دستورنا وظيفته الأساسية المتمثلة في تقييد السلطة بالقانون ،ذلك ان إقامة سلطة بلا قيود يهدم و يناقض القاعدة الشاملة و الجوهرية الدائمة ألا و هي التقييد القصدي لسلطة الحاكم و لذلك فإن مشروعية أية سلطة يعتمد علي وجود دستور يؤسس و يضع وسائل متنوعة لرقابة و تقييد مختلف السلطات .
كما أننا ملزمون بمطالبة السلطة الميمونة المنتخبة حديثا بإقرار قانون تسيير الشؤون العامة او شوري تشاركية تواصلية ،تصالحية او بمعني آخر أكثر دقة ديمقراطية تشاركية و التي تعني النظام الذي يمكن المواطنين المشاركة في صنع القرارات السياسية ذات الأولوية بالنسبة لهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة، كما ان هذا النوع من الديمقراطية يتبني مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي و تدبير الشأن العام كما أنها تتسم بالتفاعل بين المواطنين و الحكومات .
إننا إضافة الي ذلك بحاجة ماسة بطلب حكامة تمنع و تضع حدا للفساد المالي و الإداري ،فلا يمكن أن تظل الوظائف و العهدات مصدر ثراء فاحش و وسيلة لخدمة المصالح الخاصة و القبلية و الشراءحية و أصحابها قدوة و يتحكمون في مفاصل الدولة .
و خلاصة القول أننا في هذه الظرفية محتاجون الي حكامة يشعر الجميع في ظلها بطعم العدل و الإنصاف و إقرار النظام الجمهوري بصورة أكثر واقعية و انصافا .
شيخنا الداه
المستشار القانوني لصونادير