لا يزال الغموض يكتنف حادثة اغتيال مهندس الطيران والمخترع التونسي محمد الزواري، وسط غياب موقف رسمي للحكومة إزاء حادثة كشفت تفاصيلها المفاجئة أبعادها الإجرامية.
وبعد صمت دام 3 أيام على اغتيال المهندس التونسي أمام منزله في منطقة العين بولاية صفاقس بتونس، كسر رئيس الحكومة يوسف الشاهد حاجز الصمت مساء الأحد 18 ديسمبر/كانون الأول، بقوله إنهم يعملون على "حماية أمن الوطن وسيادته".
وقال الشاهد إن الموقف الرسمي للحكومة واضح من الحادثة، وإن الأبحاث بيد وزارة الداخلية ومستمرة؛ متابعا أنها الجهة المخولة لكشف نتائج التحقيقات المتعلقة بمقتل الزواري.
قتل عن عمد
وأمام تطورات القضية، كشف نائب المدعي العام بمحكمة صفاقس مراد تركي لـ RT أن السلطة القضائية تتعامل مع هذه الحادثة على أنها عملية قتل نفس بشرية طبقا لفصلي 201 و202 من المجلة الجزائية التونسية وعقوبتها الإعدام.
وفي سياق حديثه، أوضح نائب المدعي العام أنه تم توقيف 8 أشخاص جميعهم يحملون الجنسية التونسية، وبينهم صحافية كانت تقيم في هنغاريا، وأجرت حوارا صحافيا مع الضحية قبل اغتياله بـ 20 طلقة نارية، 8 طلقات منها استقرت في جسده.
رحلة الأبابيل
محمد الزواري: اسم طغى فجأة على الساحة التونسية غداة اغتياله في داره بصفاقس، جريمة صدمت الرأي العام نظرا لعدم فهم دوافع استهداف شخصية مجهولة وغير معروفة سياسيا أو إعلاميا. غير أن تفاصيل مفاجئة ومثيرة قلبت موازين هذه الحادثة بعد تأكيد"كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لـ "حركة حماس" انضمام المهندس المغتال إلى صفوفها.
وبهذا التبني، استفاق الشعب التونسي على جريمة منظمة نفذت داخل الأراضي التونسية، ليدحض بعضهم فرضية جريمة الحق العام"، وليصبح الحديث عن عملية اغتيال لعالم تونسي ذي اتصال بحركة المقاومة في فلسطين.
وفي محاولة لمعرفة حياة الضحية، حاورت RT رفيق دربه كريم عبد السلام، الذي كان صديق نضاله في تونس وأحد كاتمي أسراره، إذ تمتد صداقتهما إلى أكثر من 26 عاما، حيث عملا معا في ساحات النضال السياسي أيام الدراسة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وفرقهما البوليس السياسي منذ عام 1991.
وفي روايته عن حياة العالم التونسي محمد الزواري، قال عبد السلام إن رحلة رفيقه إلى المقاومة الفلسطينية بدأت مع لحظة دهم الأمن التونسي مخبأهما، حيث تمكن الزواري من الفرار من قبضة الأمن والهرب من تونس نحو ليبيا.
ومن هناك انتقل إلى سوريا، حيث قضى فيها في فترة أولى 6 أشهر وتزوج من فتاة سورية، وبعد ذلك سافر إلى السودان، حيث أقام فيها حوالي 6 سنوات، قبل أن يعود إلى سوريا ليستقر فيها مرة أخرى، حيث عمل مع شركة في الصيانة.
ومع قيام الثورة التونسية، عاد الزواري إلى وطنه الأم، حيث أقام فيه فترة قاربت الـ 3 أشهر، قبل أن يعود مجددا إلى سوريا ليواصل عمله مع شركته.
ولكن الزواري مع اندلاع الأزمة السورية، فضل العودة إلى بلاده ليستقر فيها مع زوجته، ويواصل بحوثه، حيث قدم مشروع تخرجه في الهندسة بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس عام 2013، والمتمثل في اختراعه طائرة من دون طيار.
وبعد عودته عام 2011، التقى رفاقه القدامى الذين يعدون على أصابع اليد، وأسر لهم بخفايا رحلة الـ 20 عاما، وحدثهم عن انتمائه إلى كتائب عز الدين القسام.
الموت بالمرصاد
ولفت محدثنا إلى أن محمد الزواري كان قد أخبرهم منذ عام ونصف أنه مراقب ونصحوه بالذهاب إلى غزة والاستقرار هناك، لكنه امتنع عن ذلك لاستكمال إجراءات إقامة زوجته السورية.
ويضيف أن الزواري كان شخصا كثير السفر، كتوما إلى أبعد الحدود ومهووسا بالبحث العلمي، وقضيته الأم هي تحرير فلسطين. وحتى عند عودته إلى تونس كان ينأى بنفسه عن المجادلات السياسية حول الشأن التونسي، لأن القضية الفلسطينية كانت محور اهتمامه الوحيد.
وردا حول عودة الزواري بفضل العفو التشريعي العام، أكد عبد السلام أنه لم يصدر بحقه أي حكم لأنه كان مطاردا أمنيا من قبل أجهزة بن علي على خلفية انتمائه إلى التيار الإسلامي وعضوا في قيادة الاتحاد العام التونسي للطلبة.
المهندس الكتوم
وقال رضوان الزواري، الشقيق الأكبر لمحمد، في تصريح خاص لـ RT إن العائلة لم تكن تعلم بانتماء محمد إلى المقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى أنه عرف بحادثة اغتياله قبل وصوله إلى البيت بلحظات.
وأضاف أن شقيقه محمد كان كتوما جدا ومحبا للعلم، وشغوفا بصناعة الطائرات والهندسة الميكانيكية، مؤكدا أنه فخر لتونس وللأمة العربية.
وشدد الشقيق الوحيد لمحمد تمسكهم بكشف الحقيقة ومعرفة الجناة الذين أمطروا شقيقه بوابل من الرصاص أردته قتيلا.
تدويل القضية
وعن موقف عمادة المهندسين عن اغتيال الزواري، أفاد عميد المهندسين التونسيين لـ RT أسامة الخريجي بأن ضلوع أذرع الأجهزة الإسرائيلية في عملية اغتيال المهندس التونسي أصبح جليا بعد اعتراف حركة حماس بانتماء الزواري إلى أجنحتها العسكرية.
ورأى في هذا الأمر عدوانا على السيادة الوطنية، حيث يصفى الرجال من ذوي الكفاءات العلمية؛ مطالبا السلطات بتحمل مسؤوليتها في كشف حقيقة اغتيال الزواري ورفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
وأشار الخريجي إلى أن العمادة طالبت بلدية صفاقس بإطلاق اسم محمد الزواري على أحد شوارع المدينة بشارع باعتباره طاقة تونسية وكفاءة وطنية وظف علمه لقضية نبيلة، ولهذا لا بد من رد الاعتبار إليه باعتبار أنه "شهيد الوطن وشهيد فلسطين".
وفي هذا الإطار، خرجت أصوات حزبية منددة بما حدث. إذ حملت "حركة الشعب" في بيانها الحكومة التونسية مسؤوليتها كاملة في ما عدته انتهاكا إسرائيليا لسيادة البلاد، ودعتها إلى فتح تحقيق جدي حول ملابسات "جريمة الاغتيال الجبانة التي استهدفت شهيد المقاومة محمد الزواري".
كما طالب حزب "البناء الوطني" (إسلامي) في بيان السلطات التونسية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة والكشف عن جميع ملابسات عملية الاغتيال وعرض الجريمة على كل المنظمات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي.
حماس تفجر المفاجأة
واتخذت قضية اغتيال المهندس التونسي منعطفا جديدا بصدور بيان كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" مؤكدة أن الزواري، الذي قتل الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول في صفاقس التونسية، كان منضما إلى صفوفها، واتهمت إسرائيل بالوقوف وراء اغتياله، ملمحة إلى إمكانية الرد على هذه العملية.
وقال بيان للكتائب إن "المهندس القائد محمد الزواري، الذي اغتالته يد الغدر الصهيونية بتونس، هو أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات "الأبابيل" القسامية، التي كان لها دور في حرب "العصف المأكول" عام 2014.
وأوضحت أن الطيار الزواري التحق قبل عشر سنوات بصفوف المقاومة الفلسطينية وانضم إلى كتائب القسام وعمل في صفوفها.
الموت الغامض للمهندس التونسي محمد الزواري سيضاف بالتأكيد إلى مسلسل الاغتيالات التي عرفتها تونس في أعقاب الثورة التونسية، في مشهد جديد لتصفية الحسابات. لكن يد الموت هذه المرة طالت رجلا ابتعد عن السجال السياسي في بلاده واعتنق قضية أمة.
روسيا اليوم