علي بالذات لا تزايدوا بالعنصرية :
وعيا منا بأننا في تناولنا للترشحات الفئوية و العرقية نتحرك في حقل ألغام، يعتبر المنطقة الأكثر عتامة و استعصاء على التحليل النقدي الحر في الحقل السياسي، و الميدان الأكثر تميزا بخلط الأوراق و سيطرة المزايدات في مجال التحليل الإيديولوجي و التاريخي. و بالنظر إلى أننا في هذه المنطقة نواجه القادة و المناضلين السياسيين الأكثر حدية، و الأقل تسامحا مع الرأي المختلف. و مراعاة لواقع أننا لسنا مسلحين بالبنادق و لا السكاكين و لا العصي، و أن الكثير من المتعاملين السياسيين و المحللين الإيديولوجيين في هذه الساحة جاهزون من هذه الناحية، أكثر من جاهزيتهم من جهة الحوار الفكري المنزوع السلاح. انطلاقا من كل ذلك، فإن الملاحظات التمهيدية التالية تفرض نفسها، مساعدة للراغبين في الحوار النزيه، و المستعدين لتهدئة الأعصاب و اتخاذ المسافة الضرورية من الانتماء العرقي و الإيديولوجي و التقليد الأعمى لشيوخ المذاهب القومية و العنصرية ممن مردوا على المزايدة و خلط الأوراق – اتخاذ تلك المسافة الضرورية – و صولا إلى قراءة أكثر هدوءا و تبصرا لما نقدمه من أطروحات في هذه المساهمة المتواضعة :
- الملاحظة الأولى : هذه المقالة ليست عملا استثنائيا معزولا يستهدف "الترشح الزنجي للرئاسة"، استجابة لعواطف إو مواقف شخصية أو ارتهانا لأجندة من الأجندات المعادية للزنوج أو للقوميين الزنوج. إنها المقالة الأخيرة في سلسلة مقالات تجاوزت حاليا الستين صفحة تناولت بالتحليل النقدي و التشريح الإيديولوجي جميع التيارات الحزبية الوطنية، في الأغلبية كما في المعارضة، و ذلك دون أي استثناء. و ضمن هذا التحليل لم نخف أننا سنتناول بالنقد - الذي لا يستخدم "القفازات" - القوى السياسية الإيديولوجية و غير الإيديولوجية، في أفق هذه الانتخابات الرئاسية، بالنظر لكونها تتحرك في الميدان العام المشترك بيننا، و تريد الفوز بالمقعد الأعلى الذي سيتحكم في مصيرنا جميعا خلال العشرية القادمة. و قلت لكم في الحلقة الخامسة ما قاله نزار قباني لجمهوره ذات مساء في "أبو ظبي" : "لا تنتظروا مني أن أكون موضوعيا كعالم الفيزياء، و لا محايدا كعالم الحشرات".
- الملاحظة الثانية : "العبد الفقير إلى رحمة ربه"، كاتب هذه الدراسة يزعم لنفسه أنه هو أشد المعارضين للفكرة القومية العربية، من بين من كتبوا ضد هذه الفكرة في العقود الأخيرة من الزمن. و مقالتنا بعنوان : "في سبيل مجاوزة المشروع القومي العربي" الصادرة في العدد 31 من جريدة البيان الأسبوعية بتاريخ 7 سبتمبر 1992، ليست سوى حلقة في مجموعة المقالات التي أصدرناها في تلك الفترة، و التي تواردت فيها التحليلات المشددة على كون الفكرة القومية العربية هي العائق الإيديولوجي الأكبر لمشاريع التحرر و التنمية و الإصلاح في العالم العربي.
و في هذا السياق كانت خلاصتنا، أن الإيديولوجية القومية العربية ميئوس منها من هذه الناحية، و لا تجدي معها المراجعات و المعالجات و عمليات الجراحة و التجميل، بحقن الديمقراطية و التسامح و الواقعية، التي جربت معها منذ هزيمة 1967. استخلصنا أنها ببساطة، إيديولوجية لا تستحق على الجماهير العربية سوى الإلقاء بها في مزبلة التاريخ. لكن حذار فنفس ما ينطبق على الإيديولوجية القومية العربية، ينطبق كذلك على القومية الجرمانية ل"هتلر" و القومية الفرنسية ل"لوبين" الأب و البنت. كما ينطبق بنفس الدرجة على "قومية الرجل المسيحي الأبيض" ل"جزار المسجدين" في "نيوزيلندا"، و القومية الزنجية ل"افلام" في موريتانيا. و يصدق ذلك في حق كل القوميين و القوميات المتطرفين الذين يقتحمون الميدان العام عبر القارات في أيامنا هذه.
و كجزء من إنارة القارئ حول تميز موقفنا على هذا الصعيد، لا بأس بالإفادة أن هذا الخيار بالنسبة لنا كان أكثر من مجرد موقف سياسي إيديولوجي. إنه رؤية فلسفية لحياة التاريخ و المجتمع، تتجلى في المسار البحثي الذي سلكناه منذ منتصف الثمانينات، و الذي يصل اليوم إلى مرحلة متقدمة على مستوى الدكتوراه. و يمكن القول إن العنوان الرئيسي لهذه المرحلة من المتريز إلى الدكتوراه هو "تجاوز القومية الإبستمولوجية"، أو ما سميناه في كتابنا للعام 1996 "مشاريع الاستقلال الابستمولوجي".
على مستوى المتريز كان بحثنا عملا نقديا حول مشاريع "نقد العقل العربي"، من خلال النماذج الأبرز لأساتذتنا الأجلاء : الجابري و العروي و برهان غليون. و قد تمت مناقشة البحث في مثل هذه الأيام من عام 1990. و قمنا بمراجعة و تمحيص الأفكار المعروضة في تلك الرسالة في كتابنا بعنوان : "موت المركزية المضادة – قراءة تاريخية نقدية للحداثة العربية"، الصادر عن مطابع النصر عام 1996. و هو العنوان الذي لو ترجمه أحدهم ب "موت عقلانية القومية العربية المتركزة حول ذاتيتها التاريخية و الثقافية الخاصة، المضادة للمركزية القومية الثقافية الغربية"، ما كان ذلك خطأ. شرط أن يكون المعني واعيا بخصوصية الإشكاليات المطروحة في حقل الفلسفة و تاريخ الأفكار و الخطابات. و جاءت خاتمة الكتاب بعنوان : "في سبيل تاريخ إسلامي عربي غير قومي". للتأكيد على أن "العقلانية" كونية و إنسانية و عالمية، و لا يمكن بأي حال تأسيسها على "ذاتية ثقافية قومية".
الملاحظة الثالثة : أن الذين أتيحت لي فرصة الاحتكاك بهم عن قرب في العقود الماضية من السياسيين و المثقفين الزنوج و البيظان، على هامش العمل المشترك في الصحافة أو نشاطات المجتمع المدني أو العمل السياسي أو الحوارات الثقافية و الفكرية، و في التعليم أو في مكاتب وزارة الشؤون الخارجية و التعاون، يعرفون جيدا أنه لا مكان في ذهنيتي للعصبية العنصرية، و أنه إذا كان لدي من ميول عرقي فالأرجح أن يكون باتجاه المكون الزنجي الموريتاني. و الله وحده يعلم كم كان مقدار الألم الذي اعتصرنا أيام رمضان عام 1989 إزاء تلك الأحداث التي واكبناها مغلوبين على أمرنا، و كنا - في حوارات الجامعة في تلك الأيام - من اشد المنتقدين للموقف المحزن للتيارات القومية العربية، المشرع للعنف الأهلي تحت ذرائع الانتقام و رد الفعل.
و في هذا السياق أشدد على أنني ممن يعتبرون أنه إذا أجبرت موريتانيا- ولا شيء يجبرها - في سياق دورها كهمزة وصل بين إفريقيا و العالم العربي على الميل إلى أحد الجوانب ، ينبغي أن يكون التغليب لعمقها الإفريقي، بحكم مقتضيات التاريخ و الجغرافيا، و قبل ذلك بحكم المقتضيات الإستراتيجية الاقتصادية و الأمنية للحظة الحاضرة. و سيخرج القارئ - بإذن الله - من هذه الحلقة الأولى من المقالة مقتنعا معي أن العمق الإفريقي لموريتانيا هو نفسه قد يكون أكثر ارتباطا بالثقافة العربية و الإسلامية من المكون العربي الموريتاني نفسه.
و كم أنا سعيد بأنني أكتب هذه الأسطر - كما جملة مقالات هذه السلسلة - من عاصمة "كوامين اكروما" أب استقلال "غانا"، و أكبر منظري و قادة التحرر في إفريقيا. و لست أشعر بالغربة هنا رغم بعد مضارب الأهل، و كوني لا أتكلم الإنجليزية. و بينما كنت أسير في الشارع هذا المساء إذ بالشاب الذي يبادرني بالسلام بلغة عربية نادرة في فصاحتها، قبل أن يقول إنه من ساحل العاج، و إنه طالب في الجامعة الإسلامية، بحي "مدينا" في "أكرا". و تلك تجربة عشتها مرارا مع مواطنين عاديين من مسلمي غانا، الذين يتميزون بطلاقة اللسان باللغة العربية، و بأداء الأذان دون أية لكنة. و لعل في اختياري لمتابعة الدراسات العليا في داكار على مستوى الدراسات المعمقة و في "واغادوغو" اليوم على مستوى الدكتوراه، دليلا حيا على أن المزايدة علينا بالعنصرية أو بالانتماء الإفريقي غير واردة، من طرف أشخاص يغلب عليهم الاقتناع بكون الجامعات الغربية هي البيئة الوحيدة الصالحة للتعلم و البحث.
"كان" مرشح "أفلام" عدوة الزنوج :
حرصا على الشفافية و الصراحة مع القارئ سنبدأ من حيث يفترض أن ننتهي. سنقول إن هذه المقالة ستعمل عبر ثلاث حلقات على إثبات أطروحتين أساسيتين:
- أولا : أن كان حاميدو بابا ليس مرشح نفسه و لا مرشح حزبه و إنما هو مرشح "قوى التحرير الإفريقية بموريتانيا" المعروفة اختصارا ب"افلام"، بقيادة زعيمها التاريخي و رئيس حزبها المحظور صنبا تيام. و أن هذا الأخير بقدر ما كان المرشح المعلن أصلا هو في الحقيقة حامل اللواء و صاحب الخطاب و الكلمة الأولى و الأخيرة فيما يتعلق بمبادرة المرشح الموحد للزنوج في موريتانيا، التي أفرزت ترشيح كان حاميدو بابا.
- ثانيا : أن مشروع "أفلام" هو الخطر الأكبر على زنوج موريتانيا في الماضي و الحاضر و في المستقبل أيضا. سنعمل على إثبات أن حركة القوميين الزنوج التي انتهت إلى إتحاد شكل حركة تحرير تطالب بتقسيم البلاد و تنتج خطابا تعبويا يحفز العنف الأهلي و يبرر الانقلابات و الأعمال العسكرية في البلد – هذه الحركة – هي المسؤول الأول عن إراقة دماء الزنوج في دورات العنف أعوام 1966 و 1987 و 1989، و أنها يد من أيادي الاستلاب الثقافي و خيانة الهوية الإسلامية للبولار و السوننكي و الوولوف. الهوية التي لا هوية لهم سواها غير الهوية الثقافية الفرنسية التي قاوموها و حاربوها في مختلف دول القارة.
و أن الأجيال الجديدة التي لم تعش مآسي 66 و 87 و 89 ، و تهنأ اليوم بجو من الشراكة و التفاهم بين مختلف مكونات البلد، و أحلامها و تطلعاتها المحورية هي تحقيق التنمية و النهوض في حياة الأفراد و الأسر – هذه الأجيال – هي المستهدف الأول بمؤامرة يحوكها أشخاص يقودهم صنبا تيام و لوبياته. أشخاص يريدون لمستقبل هذه الأجيال أن يسجن في ماض صبغوه هم بالدم و التشريد و المآسي - بالتعاون و أحيانا بالتنسيق - مع القوميين و العنصريين من الجهة الأخرى.
سيقول لي بعضكم هذا خطاب عنصري يستهدف كان حاميدو بابا الذي تحاولون إثبات إنه مرشح تابع لمجموعة ليس عضوا فيها ؟
الجواب : لقد عرفت الانتخابات الرئاسية في موريتانيا دوما وجود مرشحين زنوج، بعضهم أستخدم العنوان العرقي في الحملة، و بعضهم لم يستخدمه، و في كل الحالات فإن الأغلبية الساحقة من الزنوج لم تصوت للمرشحين الزنوج. و في ذلك دليل على أن الدعاية العرقية لم تتداول على نطاق واسع، و أنها بالأساس لم تتمكن من التعبئة و الإقناع. و أن بولار و سوننكي و وولوف موريتانيا طيلة الدورات الانتخابية الماضية، حافظوا – شأنهم شأن كل المكونات العرقية الموريتانية – على التعددية التي تجد لها مبررات أكثر من مبررات التضامن و التوحد، أقلها العوامل الجهوية و الإيديولوجية و المصلحية المختلفة، و كون الزنوج أنفسهم ثلاث مكونات و كل مكونة تجمع مكونات.
و بالرغم من وجود مجموعة أحزاب ذات بعد زنجي منذ فجر التعددية لم يتمكن أي منها من توحيد الزنوج تحت لافتة العرق، بل لم يطمح أي منها إلى ذلك. و "كان" نفسه كان هنا في مختلف هذه المراحل، مناضلا في "إتحاد قوى الديمقراطية"، و مناضلا و نائبا في البرلمان عن حزب "التكتل"، قبل أن يؤسس حزبه الخاص، و لم نعرفه يوما من الطامحين و لا الدعاة إلى تميز الزنوج عن بقية الشعب و لا تجميع أصواتهم في خندق واحد، باعتبارها أصوات زنوج موريتانيا. و أفلام نفسها طيلة السنوات الماضية حرصت قيادات بارزة منها على الاصطفاف وراء "برام"، و ما زالت مجموعة منهم معه تتنافس مع البعثيين على التقرب منه. و كادت تنسينا مطالبها العرقية و القومية لتذيبها في مطالب "إيرا" حول تحرير العبيد.
و اليوم في هذه المرحلة التي تتميز فيها الساحة السياسية بأعلى درجات التشظي و التشرذم، و لا يسلم أي حزب من الانقسام حول المرشحين، نسمع لأول مرة الشعار العنصري المعلن، بخصوص "المرشح الموحد للأحزاب الزنجية". لكن لنكن واضحين، هذا الشعار لم يرفعه أي من هذه الأحزاب المرخصة بقيادات و كوادر زنجية. إنه صادر من حزب سياسي محظور و من حركة سياسية تاريخها مرتبط بالدعاية العرقية و اعتماد مبدأ تقسيم البلد و المحاصصة في كل شيء عل أساس العرق، إنها "افلام"، ممثلة في المشروع المولود ميتا لحزب "القوى التقدمية للتغيير"، بقيادة الزعيم التاريخي ل"افلام" "صنبا تيام".
هذا الزعيم التاريخي الذي لا يريد أن يعترف بأنه هو و "افلام"، و معهم القوميون و الفئويون من مختلف مكونات الشعب الموريتاني، قد أصبحوا جزءا من تاريخ لا مكان له في مستقبلنا. مستقبل يتميز ب"العيش المشترك" في الواقع، لا في الشعار المشكك الذي ترفعه حملة "حاميدو بابا". أقصد العيش المندمج و التشاركي و التضامني، بين زنوج موريتانيا و مختلف مكونات بلدهم، الذي لن يرضوا عنه بعد التجارب المرة بديلا، وهو موريتانيا الديمقراطية و الموحدة و العادلة.
موريتانيا التي "تكفل - حسب ولد الغزواني - لكل مواطن حقه المشروع في الحرية و المساواة و الرفاه". و تسير بخطى واثقة على طريق - تعزيز مكاسب الديمقراطية و تحصين الوحدة الوطنية و اللحمة الاجتماعية في إطار دولة المواطنة القائمة على القانون، الغنية بتنوعها و المتصالحة مع ذاتها". الدولة التي يضع نظامها "في مقدم اهتماماته تكثيف الحضور لأي مكونة من الشعب عرفت غبنا اجتماعيا أو اقتصاديا عبر تاريخها"، على نحو "يجعل كل مواطن من أبناء تلك المكونات يشعر بالفخر و الاعتزاز بانتمائه إلى هذا الوطن العزيز".
عندما نقرأ الصحافة يوم 11 فبراير الماضي – قرابة العشرين يوما قبل اعتماد ترشح كان حاميدو بابا من طرف كتلة الأحزاب الزنجية - نحد في موقعي الأخبار- انفو و كريدم تصريحا لعبد العزيز كان الناطق الرسمي باسم حزب "القوى التقدمية للتغيير" يقول فيه : " إن رئيس الحزب سيتم اعتماده مرشحا للرئاسة بقرار من مناضلي الحزب، و حركة الشباب الواعي MJC و المنظمة الموريتانية للعمل ضد التمييز و العنصرية AMDR، و ذلك في جمعية عامة مبرمجة يوم 16 فبراير".
و منذ ذلك التاريخ ظل يتردد في كل مكان مشروع ترشيح "صنبا تيام"، لغاية يوم 3 مارس حيث نقرأ في "أفي - أبدو Eveilhebdo.info و مواقع أخرى، قيام أتفاق بين أربعة أحزاب على ترشيح "كان حاميدو بابا" عنها. و هذه الأحزاب هي : حزب الحركة الوطنية من أجل إعادة التأسيس MPR بقيادة المرشح، و حزب التحالف من اجل العدالة و الديمقراطية - حركة التجديد بقيادة مختار إبراهيما صار" و حزب القوى التقدمية للتغيير غير المرخص بقيادة صنبا تيام، و حزب "ابليج" بقيادة با ممادو الاسان.
ما تفسير تحول ترشح "تيام" إلى "اعتماد ترشيح كان" ؟ بالنسبة لنا نحن، يتعلق الأمر قبل كل شيء بعملية تبييض، أشبه ما تكون بتبييض الأموال الحرام، و إدخالها في الدورة المالية الشرعية. و هي قضية ستكون مركزية في الحلقة الثالثة من هذه الدراسة، المخصصة للتآمر على مستقبل الزنوج من طرف "أفلام" و هذه القيادات السياسية التي أصبحت بهذا الاتفاق لوبي من اللوبيات الفرعية ل"أفلام".
خيانة تاريخ فلسطين بعد تاريخ فوتا :
منذ السنة بالتمام، أي يوم 20 مايو 2018، و خلال شهر رمضان المعظم، نشر موقع "كريدم" مقالا موقعا باسم "صنبا تيام"، ورد فيه نفس ما ورد على صفحة المعني حول تاريخ علاقة الفلسطينيين و اليهود بأرض فلسطين.
في المقالة على "كريدم" و في صفحة المعني وفقا لترجمة موقع "الأخبار" نقرأ : "الحقيقة أنه في هذه المنطقة من العالم، كان هناك فلسطينيون قدموا من الشمال، و ظهروا في المصادر المصرية خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، و قدموا على أنهم أعداء لمصر، و كانوا جزءا من شعوب البحر. و بعد مواجهتهم مع المصريين استقر هؤلاء الفلسطينيون على الشريط الساحلي لجنوب غرب ارض كنعان، أي في المنطقة الواقعة على طول البحر الأبيض المتوسط، من قطاع غزة الحالي إلى يافا. و في الواقع و من أجل استجلاء حقيقة انتربولوجية و تاريخية، فإن اسم فلسطين مشتق من كلمة فلسطيني و تعني بالعبرية الغازي. و بعد ثورة اليهود ضد .. الإمبراطورية الرومانية أطلق الإمبراطور "هادريان" على بلد اليهود اسم فلسطين، رغبة في منه في معاقبة هولاء .. لقد استعاد اليهود سيادتهم على ارض أجدادهم مع ولادة دولة إسرائيل في العام 1948. و هكذا فإن أي وجود غير يهودي آخر على هذه الأرض هو نتيجة للغزوات الأجنبية، و لاسيما العربية منها.
و لعل تعقيد المشكلة يكمن في أن هؤلاء عادوا إلى بلدهم، لكن السكان غير اليهود عاشوا هناك أيضا لمدة 13 قرنا. إنه بالنظر إلى "قانون الدم"، فإنه كان ينحاز دائما إلى اليهود. لكن بموجب "قانون الحوزة الترابية" يستطيع الفلسطينيون أيضا المطالبة بالأرض، أو على الأقل بجزء منها، و قد أخذت الأمم المتحدة هذا في الحسبان خلال تقسيم البلاد في عام 1948. و قد قبل "بن غوريون" و القادة الإسرائيليون ذلك بحسن نية، لكن الفلسطينيين الذين ساعدتهم دول عربية أخرى رفضوه، و فضلوا حل المشكلة عن طريق الدخول في أربعة حروب خسروها جميعا. إن هذا التعقيد يفسر الصمت الأكثر إحراجا لكل الدول العربية المحيطة، فما الذي يفعله الأفارقة ؟"
الغبي وحده يتخيل أن ثورة ردود الفعل الغاضبة التي ضجت بها الساحة في تلك الأيام فاجأت "تيام"، أو أنه لم يردها و لم يصل إليها بقصد مع سبق الإصرار و الترصد. لقد ضرب عصفورين بحجر واحد. أعاد أسمه إلى واجهة الأحداث التي لم يستطع الوصول إليها بكل التصريحات المتطرفة التي أطلقها منذ عودته من منفاه الاختياري، و رفض الترخيص لحزبه. و أرسل رسائل طيبة إلى الممولين الأساسيين لمشروع "أفلام"، من اليهود و حلفائهم في المجتمعين السياسي و المدني في أوروبا و أمريكا.
في مواجهة العاصفة بادرت "كريدم" إلى تبرئة ساحتها بتوضيح أن الموضوع جاءها من ذات القناة الالكترونية التقليدية التي تصلها منها مقالات "تيام"، بل و نشرت صورة من المراسلة بتوقيع المعني. و الطريف أن البريد هو نفسه بريد "أفلام"، الذي سارع القائمون عليه إلى الاعتذار عن الخلط الناتج عن نشر الموضوع بتوقيع تيام. بالمقابل بدا المعني هادئا على نحو لا يمكن تبريره. و رفض الاعتذار باعتبار المقال للمؤرخ السنغالي "شيخ تجاني اندياي"، من جامعة "شيخ أنتا جوب" بداكار. و أن المسألة خطأ فني تم التنبيه عليه و ينبغي إغلاق الموضوع.
و بما أننا لسنا أغبياء لدرجة إغلاق الموضوع بهذه البساطة، نطرح السؤالين التاليين :
- لماذا – أيها العزيز "تيام" - بعد نشرك لهذه الخيانة للتاريخ على صفحتك، لا تترك التفاعل الحر يتواصل، أقله للبرهنة على أنك لست مقتنعا بتلك الأفكار التي وقعت باسمك خطأ، وفقا لدعواك. و الواقع أنك كتبت بعد ذلك مباشرة : "أصدقائي الأعزاء لا ينبغي استخدام صفحتي على الفيسبوك للصراع حول هذا الموضوع. و سأحذف أي تدخل بشأن هذه المشكلة لأنه يعتبر خارج الموضوع" ؟!
- و في تعليقك على الموضوع لماذا لا تعلن أنك غير مقتنع بما ورد فيه، و أن رؤيتك لتاريخ فلسطين و هويتها تناقض ذلك. ثم لماذا لا تبحث عن مناسبة أكثر ملاءمة لتمجيد الباحثين و المتخصصين في التاريخ غير هذه المناسبة المرتبطة باتهامات لك أنت بكتابة تلك الأفكار. مناسبة أنت فيها في موقف من الاتهام لا تحسد عليه، من جهة ظهور أسمك على المقال المذكور.
إسمح لي أن أقول لك : إنك لم توفق في اختيار المؤرخ المثالي لتناول المسألة، عندما تصطف وراء رجل يتحدث عن "حق الدم" – أقل الشعارات قيمة أمام المحاكم الدولية و أكبر الخرافات التاريخية - في مواجهة شعب يعترف أنه سكن الأرض منذ 13 قرنا. و لم توفق كذلك في هجومك على الباحثين الموريتانيين في مجال التاريخ، و تلميحك إلى أن البلاد قد تكون خالية أصلا من هذا النوع من الباحثين. ألا يعكس ذلك حنينك إلى فنادق و ساحات باريس و نيويورك بعيدا عن أرض أجدادك. ألست في هذا تعاكس اليهود الذين قلت عنهم – أو قال عنهم واحد ممن يعجبونك من المتخصصين في التاريخ - إنهم يعودون بعد 13 قرنا إلى أرض أجدادهم.
لكنني أعتبر أن ما ورد في هذه المقالة، التي وقعت باسمك و قلت إنها ل "شيخ تيجاني اندياي" تتقاطع مائة بالمائة مع مذهبك في قراءة تاريخ "فوتا"، و لجوئك إلى "قانون الدم"، للتعاطي مع هموم و مشكلات الحاضر في فوتا و مختلف مناطق البلاد.
و عكسا لمذهبك، و لطريقة كتابة التاريخ لدى هذا ال"شيخ تجاني اندياي" الذي لا تستحق كلماته الحبر و الأوراق التي خصصت لها، سأقوم هنا بإيقاظ مجموعة من أجدادك العظام، ليحدثوك بأنفسهم عن تاريخهم، الذي غسلت دماغك منه المكاتب و الفنادق في أوربا و الولايات المتحدة. و بدلا من "حق الدم" الذي ورد في هذه المداخلة البائسة، لتشريع احتلال أرض أكبر شعوب العالم مظلومية في العصر الحديث و هو الشعب الفلسطيني، سنوضح لك في الحلقة الثانية من هذه المقالة كيف تحملت، أنت و الموقعون معك على وثيقة 1986، التي لم و لن تتبرؤوا من مسؤوليتكم عن كتابتها – كيف تحملتم - مسؤولية دماء الزنوج و غير الزنوج التي أريقت أعوام 87 و 89 و 90 من القرن الماضي. و سأستدعي لك "مارتن لوثركنغ" ليعلمك كيفية النضال المسئول و الشجاع و الصبور عن الحقوق المدنية. لأن في درس "لوثركنغ" الذي تخرج من جامعة "المهاتما غاندي" حالة نادرة من الحساسية اتجاه العنف النضالي و سفك الدماء، تغيب تماما في نص و روح وثيقتي 1966 و 1986 للقوميين الزنوج في موريتانيا.
من بيسي إلى فوتي كارولينا إسلام و عربية جبليان :
كم خسرت موريتانيا من أرواح أبناءها و استقرارها السياسي و الاجتماعي، و كم تأجل أو الغي من برامج التنمية، بسبب المواجهة السخيفة بين القوميين العرب و القوميين الزنوج. و ما أبعدها موريتانيا من تلك الهوية العروبية الناصرية أو البعثية، و بعد الشقة ما بين بولار و سوننكي و وولوف موريتانيا و الارتهان للهوية الفرنكفونية.
و لأن موضوعنا هو هوية و تراث زنوج موريتانيا، سنقدم الخلاصة التي تتفق عليها جميع مصادر تاريخ القوم، و هي أن ارتباطهم بالثقافة الإسلامية و باللغة العربية ظل ثابتا و صامدا صمود الجبال في حياتهم. إذا كان "عند لوثركنغ حلم"، فإن عندنا هنا درسا من التاريخ ندعو "تيام" و ال"فلاميين" إلى دراسته، كي يتوبوا من ضلالهم التاريخي، و يعودوا إلى رشدهم و أصالتهم و الهوية الحقيقية لأجدادهم.
و العنوان يلخص تلك الصفحة التاريخية التي فتحت مع "بيسي" السوننكي ملك غانا الذي دخل الإسلام على يد عقبة بن نافع في عهد معاوية ابن أبي سفيان، و حول نصف قصره إلى مسجد، لا يضاهيه إلا مسجد "جاكيلي" في كيدماغا في زماننا، و الذي قدر التمويل المنفق في بنائه بأربعمائة مليون أوقية. و إلى جانب المساجد تم إحصاء 125 مدرسة قرآنية و جامعة ما بين القرن الثامن عشر و العشرين، في مجتمعات السوننكي.
و فيما يخص "الوولوف"، هم مسلمون بنسبة 90%، و منطقة الوالو هي مهد وولوف موريتانيا، و هي إحدى ثلاث ممالك أسسها أمادو بوبكر، نجل القائد المرابطي أبوبكر بن عمر في وادي السنغال، و هي : مملكة والو و مملكة جولوف و مملكة كايور. و وفقا للشيخ أنتا جوب فإن أصل الوولوف يعود إلى نهر النيل و لغتهم أقرب إلى المصرية القديمة. قل لي بربك أين الهوية الفرنكفونية في ذلك.
أما البولار و هم المكون الزنجي الأكبر في موريتانيا، فمن أغرب الغرائب أن تكون منهم القيادات الرئيسية لأفلام، التي جعلت من الثقافة و اللغة الفرنسيتين المكون الرئيسي للهوية الإفريقية لزنوج موريتانيا، و نحن نعرف أن البولار في إفريقيا مرتبطون عضويا بالإسلام و باللغة العربية، حتي ليمكن تلخيص هويتهم في هاتين الكلمتين.
يقول المفكر السنغالي محمد سعيد باه، في بحثه بعنوان : "الفلان في موكب الحضارة الإسلامية أخذا و عطاء"، الذي راجعناه في موقع المركز الموريتاني للدراسات و البحوث الإستراتيجية" : بعد وجود متناثر اقتحم الإسلام قلب اكبر تجمع بشري للفلانيين مع مقدم عبد الله بن ياسين، و بلغت الذروة باعتناق ملك بلاد التكرور "وار جابي ابن رابيس انجاي" الإسلام عام 1041. و توجد اليوم العديد من الأسر الإسلامية العلمية في بلاد فوتا يحتفظون بسلسلة أسماء أجدادهم المسلمين العلماء بلا انقطاع، قد يصلون ما بين : 28 – 27 جدا.
و تميزت حياة المجتمع البولاري بقيام الكثير من الإمامات و الدول على أساس ديني، و من أهمها :
- إمارة "بندو" الإسلامية شرق السنغال نشأت سنة 1681 على يد العالم مالك سه الكبير
- دولة "صكتو" الإسلامية سنة 1810 بقيادة الشيخ عثمان بن فدوي في حوض اتشاد و ما جاوره
- إمارة "ماسينا" الإسلامية 1818 أحمد لب باه المنحدر من بلاد فوتا تور
- دولة الحاج عمر الفوتي تال 1797 – 1898 المعروفة في المصادر بالإمبراطورية التجانية
- دولة الأئمة في فوتا تور 1776 – 1891، تاريخ وفاة آخر الأئمة بجثو الاحتلال الفرنسي على البلاد.
و هذه الأخيرة هي الأهم عندنا، فإذا كان من مبرر تاريخي للدعوة الانفصالية ل"فلام"، فلا يجوز أنت تقوم إلا على أساس إعادة إقامة دولة "فوتا تور" الإسلامية، التي يفترض أن تقتطع أراضيها من الدول الثلاث، موريتانيا و السنغال و مالي. و هي شأنها شأن إمارات بني حسان و ممالك السنغال و مالي، ظلت قائمة حتى وصول المستعمر، رغم الضعف الذي أصابها بعد مقتل أمير المؤمنين عبد القادر كان.
و يغطي الحيز الجغرافي لدولة الإمامة الفوتية أجزاء من لبراكنة و غورغول و الترارزة و غيدماغا، و من مدنها كيهيدي و ماتام و بوغي و مقامة و بابابي و انجاجبني.
و المؤسس هو سليمان بال 1776 – 1880 من أسرة "تشارنو آسو بال" العلمية و الدينية المشهورة. و يعتقد أنه تأثر بحركة الإمام ناصر الدين، و كان رفض إتاوات بني حسان و مقاومة تجارة الرقيق من منطلقات ثورته. و قد اشتهر بوصيته التي هي بمثابة وثيقة المبادئ الدستورية للدولة الإمامية في فوتا. يقول : "إن النصر مع الصابرين، أنا لا أدري هل أموت الآن أم لا، فإذا مت فانظروا إماما عادلا زاهدا ورعا، لا يجمع الدنيا لنفسه و لا لعقبه، و إذا رأيتموه قد كثرت أمواله فأعزلوه و انهبوه، و إذا امتنع فقاتلوه و اطردوه، لئلا يكون ملكا عضودا يتوارثه الأبناء، و ولو غيره من أهل العلم و العمل من أي القبائل، و لا تتركوا الملك في قبيلة خاصة، لئلا تدعي الوراثة بل ملكوا كل مستحق".
و قد تولى بعده أشهر أئمة فوتا عبد القادر كان 1776 - 1806. يقال أنه رفض في البداية تولي الخلافة. فاق أهل زمانه علما و حلما و قيادة. عرف بمقاومة الوجود الفرنسي و كان يمنع الفرنسيين من بيع و استعباد المسلمين. يقول فيه الشيخ محمد المامي : "زرت الأمير عبد القار كان و شاهدته يقيم حدود الله في المخالفين". و كان الشيخ محمد المامي الذي يشتق اسمه من "الألمامي" و هي كنوة الإمام في "فوتا تور"، يعتبر هذه الدولة نموذجا مثاليا للحكم أو قل "يوتوبيا". و يحلم بقيام دولة مشابهة لها في البلاد السائبة، أو بلاد المنكب البرزخي الممتد ما بين دولة الإمامة الفوتية جنوبا و المملكة السعدية في المغرب شمالا.
و كان الألمامي عبد القادر كان قد درس على خديجة منت العاقل الديمانية، و درس عليها معه أخوها أحمد ابن العاقل و المختار بن بونا الجكني. و من الوارد في سياق هذا التبادل العلمي بين علماء البولار و الزوايا، التنويه إلى أن أحمد ابن العاقل درس سبع سنين بمملكة فوتا جالون بغينيا، و صحب فيها العالم المتضلع بالأسرار الفا إبراهيم، الذي قد يكون هو نفسه الإمام الفا ابراهيم الذي تولى الحكم في فوتا جالون. و بعد عودة ابن العاقل عين قاضيا 1794 حتى وفاته 1828.
يقول حرمة بن عبد الجليل يمدح عبد القادر كان :
قد فقت كل ملوك الأرض قاطبة و فقت في العدل و العرفان كل ولي
ما سرك في شأو العلى أحد إلا سميك عبد القادر الجيلي
تحالف ضده زعيم مملكة "بوندو" التكرورية الألمامي أحمد عيستا و زعيم مملكة "كارطة" البنبارية فلجأ إلى "خاي"، و لما خاف زعيم "خاسو" على مملكته وأبعد الألمامي عبد القادر من بلاده، لجأ إلى إمارة الترارزة، و ذلك في عهد الأمير أعمر ولد المختار. و كانت إقامته بالترارزة سجنا بالنسبة له، فقرر العودة ل"فوتا"، و ما إن وطئت أقدامه أرضها حتى علم به أعداؤه فحاصروه حصارا محكما، وقتله زعيم مملكة بوندو الألمامي أحمد عيستا بيده، ثأرا لأخيه الذي كان الألمامي عبد القادر قد قتله.
أما فيما يخص اللغة العربية عند القوم فيقول محمد سعيد باه : تجمع المصادر على أن عبد القادر كان أنشأ 80 مجلسا علميا على امتداد مضارب الفلان في ضفتي النهر، و كان من نتائج تلك النهضة الثقافية تسرب الثقافة الإسلامية إلى عمق الثقافة المحلية، حتى أصبحت الثقافة الإسلامية رافدا، بل مكونا من مكونات الثقافة الشعبية، كما نلمس في الألعاب و الأغاني و الإنتاج و الأساليب الأدبية و في كل مبادين الحياة العامة. و مما يستطرف أن الوله بالعربية و بما حملته في طياتها وصل بهذا الشعب الذكي أن زاحموا الشناقطة الذين أخذوا عنهم الكثير من صنوف المعرفة التي تم إنضاجها في بوتقة الثقافة الإسلامية. بل صعد بعضهم فادعى المشيخة على الجميع. حتى إذا قال صاحب "الطرة" العلامة المختار ولد بون الجكني في بيتين سارت بهما الركبان :
و نحن جمع من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة بها نبين دين الله تبيانا
انتشى شاعرهم فقال مفاخرا :
يا غاديا تركب الأهوال و الخطرا و تطلع البيد كيما تدرك الوطرا
فبلغن كل قح من بني زمني أني توجهت أني أشعر الشعرا
و البيتان ل"تشارن حامد"، الذي بوأه علو كعبه في العربية أن حكمه فطاحل الشعر من الشناقطة في منازعاتهم الشعرية، حتى تدخلت السلطات الاستعمارية فمنعته. و في هذا مقام يجدر فيه تذكير أمير الشعراء جاكيتي الشيخ سك بأنه ليس نادرة من نوادر تاريخ القوم، رغم أنه نادرة من نوادر زمانه.
يبقى الأعجب - و الكلام دائما لمحمد سعيد باه - متمثلا في تلك الظواهر الخارقة للعادة التي نتلقاها في جنبات أسواق الثقافة في ديارمسلمي غرب لإفريقيا عموما، و لدى ركبان الفلان خصوصا، و من أهمها ذلك الإنتاج الشعري ذي النكهة الخاصة، و نعني شعر أولئك الأدباء الأفذاذ الذين دبجوا القصائد باللغات الإفريقية، موظفين القوالب الشعرية التي تواضع عليها العرب دون أن يكون لهم أدنى إلمام باللغة العربية. و هو تيار أدبي مستقل يتسم بعمق التجربة و غزارة الإنتاج و تعدد المشارب
و نختم حلقة "الهوية المغدورة" لزنوج موريتانيا، بقصة ذلك الشاب الذي خبأ له القدر مصيرا عجيبا، و نهديها إلى فرع "افلام" في الولايات المتحدة الأمريكية. نقصد "عمر بن سعيد الفوتي" الذي أسر بعد قتل عبد القادر كان، و بيع عبدا، قبل أن ترميه الأقدار عل شاطئ "كارولينا". و قد توفي سنة 1864 عن اربع و تسعين عاما دون أن يترك عقبا، ودفن على ربوة في منطقة "بلادن" Bladen بولاية كارولينا الشمالية، و شواهد قبره و ما عليها من الطين الأحمر المتصدع ماثلة للعيان. و قد بنت سلطات مدينة فايتفيل مسجدا باسمه سنة 1991 تخليدا لذكراه و اعترافا بمكانته الثقافية و الاجتماعية.
فهذا الفوتي الموريتاني هو الوحيد من الأمريكيين الأفارقة المستعبدين الذي ترك تراثا مكتوبا باللغة العربية. و ليس ذلك الأثر سوى سيرته الذاتية، التي تعتبر من أهم الوثائق الشاهدة على حياة المجتمع في "فوتا تور"، و على الأيام الأخيرة من حياة الخليفة عبد القادر كان، و على عمق ارتباط هذا المجتمع بالإسلام و بالثقافة العربية.
يتواصل أسبوعيا بإذن الله.
عندما يدخل كان بهوية صنبا تيام (1/3)
1 – خيانة الهوية
(الحلقة الرابعة عشرة من حديث "القلب" و "العقل" في رئاسيات 2019 – 22 مايو 2019)
محمد الأمين ولد أبتي
كاتب و باحث