"ظاهرة التساقط على طريق الدعوة ظاهرة عامة وخطيرة ومتكررة وهي لذلك تستدعي التأمل والدراسة بعمق وتجرد وموضوعية لمعرفة أسبابها ومسبباتها ولاستكشاف العوامل الحقيقية التي تقف وراءها... والذي يتبع تاريخ الحركة الإسلامية في كل قطر وعلى امتداد العالم الإسلامي يمر بأسماء كثيرة بلغ بعضها شأوا في مجال العمل والمسئولية ثم لم يلبث أن اختفى من حياة الدعوة بشكل أو بآخر.. فمن هؤلاء من ترك الدعوة ولم يترك الإسلام.. ومنهم من ترك الدعوة والإسلام معا.. ومنهم من ترك الجماعة وأنشأ جماعة أخرى، أو التحق بجماعة أخرى، وهكذا تتعدد ظواهر التساقط..." (من مقدمة كتاب المتساقطون على طريق الدعوة لفتحي يكن، مؤسس فرع التنظيم الدولي للإخوان في لبنان).
هذا هو النزيف الذي وصفه أحد شباب الحركة في مقال منشور، نزيف لازم الإخوان منذ الخلية الأولى في الإسماعيلية، إلى انشقاق شباب محمد في القاهرة. لكن اللافت أن "تساقط الرطب..." يبدأ من القمة التي تفترض فيها التضحية والانضباط.. "... ظاهرة التساقط هذه تتناول وتصيب أكثر ما تصيب الصف الأول والذين عملوا على تأسيس الحركة والسابقين وإن كانت لا تستثني اللاحقين كذلك..." (يكن: نمس.). ولم يختلف موقف الإخوان من "المتساقطين" منذ أن أصدر حسن البنا رحمه الله فتواه الشهيرة في حقهم.. "من رام شق صف الجماعة فاضربوه بالسيف كائنا من كان." التزمت الجماعة هذا الأمر طول تاريخها، وإن كان سيفها الذي سلطته على من سمتهم "المتساقطون" السب والقذف والتشهير... في محنة محمد الغزالي رحمه الله شواهد كافية.
حافظ فرع التنظيم الدولي عندنا على هذا التقليد فجرد حملات عنيفة على المنشقين واصفا إياهم بأبشع الأوصاف؛ لم يسلم من ذلك الشيخ بوميه ولد أبياه، ولا النائب الموقر الذي وصفوه بالجهل.. "كنا نكتب له خطاباته..."، ولا القيادي عبد الله محمد لوليد، وآخرين تم تهديدهم فلاذوا بالصمت... لكن الأمر اختلف مع وحدة العمليات الخاصة التي يحاولون إنزالها خلف خطوطنا فراموا تغطيتها بنيران كثيفة صوبوها على "صائد الجواسيس". فلو لم يكن في الأمر تدبير ما نفوا المؤامرة وادعوا النزيف ليغاثوا، وما وصفوا "المتساقطين" بالرطب ترويجا لهم في شهر الصيام!!!
لم يكن الكمين ليجوز على من قضى عشرية النماء والأمان في مقارعتكم. عشر سنين انسلخت ونحن بالنسبة لكم "لصوص مال عام.. مفسدون.. صفاكون.. منافقون..." وصمتمونا بما يزخر به قاموسكم من منكر القول.. ولم يسلم رئيس البلاد وقائد الأمة. والآن تنزحون إلينا مثل مشردي الحروب الأهلية.. فما الذي جد، غير أن أم عامر تستجير حتى إذا عولجت جراحها وتضاعف وزنها فتكت بمن أجارها!!! وما الذي يضيفه تائهون لاهثون خائفون إلى حملتنا سوى الوهن والريبة!!! هذه الأغلبية، التي تحاولون تفتيتها، كما فتتم المعارضة، هي التي هزمتكم في استحقاقين متتاليين وأنتم في أوج قوتكم تتدفق عليكم الأموال من الخارج ويكبر معكم السذج في الداخل.. أما اليوم فقد أكلتكم المخمصة "تتقاتلون على بقايا تمرة..."، وثار بينكم الشقاق حتى اتهم الخليل خليله، ولم يأمن الجليس جليسه، فمن يبغي بكم العزة، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين!!!
يرق بعض مرهفي الإحساس في الأغلبية لحالكم فيضفي عليكم لحاف المهاجرين، لكن هيهات!!! مهاجرتكم وردت في المأمورية الأولى والثانية مع غيرهم فآثرنا الجميع بالوزارات والإدارات والسفارات.. أما هذه النابتة فهي بالطلقاء أشبه.. بلغهم أن الأنصار جمعوا سبعة عشر مليارا، ولم يتحققوا أمن العملة الجديدة أو القديمة؟ وسمعوا أن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، والعام عام رمادة انتشر فيه المحل بعد تشديد الرقابة على الأدوية المزورة، ومراقبة عمل وكالات تحويل الأموال.. فنفروا؛ سادة ورعاعا... ستعودون بالشاة والبعير ونعود بمرشحنا والنصر...
جردتم حملة شعواء، حشدتم لها مخزونا هائلا من الشتائم، واستصرختم حلفاءكم حتى أخرجتم أصحاب الأعذار، وأعدتم نشر حصائد ألسنتكم فدل عليكم قول الشاعر.. (... ذاك ألا حديث معاد...)، وعرّضتم أنثاكم لحسام طالما عقر فحولكم؛ بازلهم والحامي.. وعقدتم لواءكم لغلامين وامرأة يسابقانها إلى السباب فتسبقهم، ويصارعانها فتصرعهم.. أغضيت عنها "حتى يواري جارتي مثواها"، فلما أمعنت في السفور تمثلت احتجاج مِتلاف طيء... وانقشع غبار المعركة عن "ناقص.. ومومس".. فاستعذت بالله من صولة الضعفاء...
لعمر الله! ما ساءني منكم إلا تهافتكم وضعف عقولكم.. تثلبونني بجمال الأسلوب وتعارضونه بحشف وسوء كيل!!! على أن ضعف عقولكم لم يمنعكم نصب الفخاخ وتدبير المكائد، فشنعتم علي أن نسبت الحملة إلى محمد غير مدركين أن من شرفهم الله بحمل هذا الاسم يؤثرونه على كل الألقاب والصفات والنعوت.. وقد نسب المسلمون إحدى سور القرآن الكريم إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهل ترونهم أساؤوا إليه، بأبي هو وأمي!!!
لنضع حدا لكل هذا! فلم تعودوا تمتلكون العدد ولا العدة لحرب استنزاف أثخنتكم، ولا أجهز على الجريح، فانصحوا سفيهكم أن "غض الطرف إنك من تواصل"، واستأسروا عسى في الأغلبية من ينزلكم على حكم أبي بكر، وإن كان جلنا يميل إلى اجتهاد عمر على أن نكتفي بصفعة على القفا تكون سمة لكم.. تأخذون بها ونعطيكم...