بعد أن باتت خدمة الإنترنت في السنوات الأخيرة متاحة لغالب طبقات المجتمع، لرخص كلفتها، وسهولة الحصول عليها، فقد تزايدت المخاطر الناتجة عن مشاهدة المواد الإباحية عبر الإنترنت، وما تحدثه من آثار سلبية ومَرضية على الأفراد والمجتمعات.
ثمة جدل حول مدى انطباق توصيف الإدمان على حالة الإكثار من مشاهدة المواد الإباحية، لأن الإدمان يطلق عادة على تعاطي مواد كيماوية تؤثر على وظائف الجسم، وهي معلومة الأثر على الإنسان حينما يتعاطاها سواء كان جسديا أو نفسيا، بحسب الدكتور علاء الفروخ، أخصائي الطب النفسي.
وأوضح الفروخ أن كثيرا من المختصين يتحفظون على إطلاق لفظ الإدمان على مشاهدة المواد الإباحية، إلا أنه استدرك بأن "الإدمان السلوكي" ينطبق تماما على ظاهرة مشاهدة المواد الإباحية من حيث النتيجة والمآل.
وأشار الفروخ إلى أن دراسات حديثة ذكرت أن هذا السلوك الإدماني يتشابه كثيرا مع السلوك الإدماني لمدمني المخدرات والكحول وما شابه ذلك، بحيث تصبح المادة المدمن عليها تحتل أولوية قصوى في حياة المدمن، على حساب واجباته ومسؤولياته الحياتية الأخرى.
إذا كانت مشاهدة المواد الإباحية ترقى في مآلاتها إلى حالات الإدمان الأخرى، فما هي نتائجها وآثارها على نفسية الإنسان وسلوكياته؟ أكدّ الفروخ أنها تؤثر بشكل كبير على نفسية الإنسان من حيث ضعف التركيز، وإهماله لكثير من واجباته الحياتية المختلفة، مع ظهور كثير من الأعراض المشابهة لأعراض القلق والاكتئاب على مدمني مشاهدة المواد الإباحية.
الدماغ وتشكل حالة الإدمان
من جهته أوضح الأخصائي في التثقيف ضد الأمراض المنقولة جنسيا وخطر المواقع الإباحية، أسامة مطير أن "إدامة النظر إلى المواقع الإباحية تؤدي إلى إفراز مادة الدوبامين في المركز المخصص للشهوة في الدماغ والذي يسمى بمركز المكافأة".
وشرح مطير أن وجود الدوبامين بتركيز عال يؤدي إلى الإثارة الجنسية بصورة مندفعة وقوية، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع هرمون الذكورة (التستيرون) في الدم، لافتا إلى أن طبيعة هذه المنطقة من الدماغ تستثار أكثر كلما شاهد الإنسان مناظر جنسية جديدة.
وأضاف مطير "ففي الوقت الذي تصبح فيه المشاهد القديمة أقل إثارة، يندفع الإنسان (المدمن) إلى البحث عن مناظر ومشاهد إباحية جديدة، مما يؤدي إلى إعادة إفراز الدوبامين من جديد، استجلابا للشعور بالمتعة المتجددة وهكذا دواليك، ما يتولد عنه السلوك الإدماني المتمثل في البحث الدائم عن الجديد لإشباع متعته ورغباته الجنسية المتأججة.
ولفت مطير إلى أن موقع (www.Myaddiction.com) المتخصص بالتثقيف ضد الإدمان، والوقاية من الوقوع فيها، أدرج المواد الإباحية (Pornography) كبند من البنود التي يهتم بمعالجتها والوقاية منها.
وبحسب ذلك الموقع فإن الإدمان على المواقع الإباحية يتشابه إلى حد كبير مع حالات الإدمان الأخرى، من حيث عدم القدرة على تقليل ساعات المشاهدة مع الرغبة في ذلك، واستنزاف أوقات طويلة وثمينة في المشاهدة، وتضييع واجبات هامة وضرورية بسبب طغيان شهوة المشاهدة، والاستمرار في المشاهدة على الرغم من معرفة الأضرار الشديدة.
وردا على سؤال بشأن الأعراض والآثار التي تظهر على مدمني مشاهدة المواد الإباحية، إذا ما ابتعدو عن مشاهدتها، قال مطير "غالبا ما تظهر عليهم أعراض الاكتئاب، والهبوط النفسي عند الابتعاد عن مشاهدة تلك المواد، وأعراض شبيهة بالأعراض الانسحابية الأولية، وقد يؤدي ذلك إلى ضعف الانتصاب في علاقته الجنسية مع زوجته، لأن دماغه ينظر إلى الزوجة باعتبارها حالة مستهلكة، وغير بديعة مقارنة مع ما أدمن مشاهدته".
جهود مجتمعية للوقاية والمقاومة
حظيت قضية حجب المواقع الإباحية على الإنترنت باهتمام كبير في العديد من الدول العربية؛ فطبقا لتقارير إعلامية، قامت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية بحجب المواقع الإباحية عبر الإنترنت في المملكة، وثمة مطالبات أخرى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني في دول عربية أخرى.
فقبل عدة سنوات أطلقت جمعية "إنصاف" الأردنية حملة تحت عنوان "حجب المواقع الإلكترونية الإباحية من صفحات الإنترنت في الأردن"، طالب القائمون عليها الحكومة الأردنية بإلزام شركات مزودي الإنترنت بحجب المواقع الإباحية بالكلية.
ووفقا لنائب رئيس الجمعية، المهندس خالد القاسم، فإن حملتهم استمرت ثلاث سنوات، وكانت تسعى بالاستناد إلى القوانين المعمول بها في الأردن، وإلى ما ينص عليه الدستور من ضرورة المحافظة على الآداب العامة، وتفعيل بعض المواد في قانون الاتصالات القديم، وقانون الجرائم الإلكترونية، إلى إلزام مزودي الإنترنت بالامتناع عن إتاحة المواقع الإباحية في خدماتها المقدمة لزبائنها.
وقال القاسم إنهم تواصلوا مع دائرة الإفتاء العامة الأردنية، التي أيدت حملتهم وباركتها، كما تواصلوا مع النواب، وأقاموا ندوات توعوية ومحاضرات تثقيفية، وكتبوا عريضة وقع عليها ما يزيد عن (65000) مواطن أردني، وقد استطاعوا استصدار كتاب من هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بإلزام الشركات المزودة للإنترنت بحجب المواقع الإباحية إلا أنه لم ينفذ لأسباب كثيرة.
وبين القاسم أن حملتهم جوبهت باعتراضات بسبب تأثيرها - كما قيل لهم - على الاستثمار والسياحة وحرية الرأي، ما جعلهم يطالبون بحجبها كخدمة متاحة للجميع، خاصة للشباب والأطفال، وجعلها خاصة بمن يرغب بتزويده بها بناء على طلبه.
في السياق ذاته ذكر المستشار الاجتماعي والشرعي، الدكتور منذر زيتون أن الآثار الناتجة عن الإدمان على مشاهدة المواد الإباحية، بالغة السوء على الأفراد والمجتمعات، وأنها تخلخل النفس البشرية وتخرجها عن حالة الإنسان السوي، وتفتك بالقيم الأخلاقية وتدمرها.
ولفت زيتون إلى أن من أخطر تلك الآثار "صرف الاهتمام عن الواجبات الحياتية الضرورية نتيجة الانشغال بهوس المشاهدة"، و"ضعف التركيز والتحصيل العلمي"، و"السلبية في أداء الواجبات الاجتماعية والدينية والعملية" و"عدم الاكتفاء بالحلال في المستقبل، وعدم الاقتناع بوسائله المحدودة أمام اللامحدود، و"التأثير السلبي صحيا وعقليا ونفسيا" و"شيوع الشذوذ الجنسي وزنا المحارم".
وجوابا عن سؤال حول طرق العلاج ومحاصرة تلك الظاهرة المتفشية، عدد زيتون جملة من الخطوات والإجراءات التي يمكن من خلالها محاصرة الظاهرة، مركزا على ضرورة التوعية لإكساب الشباب المناعة الذاتية التي تصون صاحبها عن الوقوع في مستنقع ذلك اللون من الإدمان.
من ضمن تلك الإجراءات ضرورة "ضبط الجهات والقنوات ووسائل الإعلام الباثة لمثل تلك المواد المنحرفة"، و "تعديل القوانين وخاصة قانون العقوبات لملاحقة كل من يتيح المجال لمشاهدة تلك المواد، خاصة مراكز الإنترنت، ومؤسسات الترفيه ونحوها".
وتابع زيتون قوله: "من الضروري تنشيط الدور التربوي في المدارس والجامعات والمراكز التعليمية والمساجد والكنائس ومراكز الشباب"، منبها على ضرورة "فتح المجالات المختلفة لاستغلال وقت الشباب واهتمامهم في النافع المفيد، خاصة ما يتعلق بالأمور الفنية والرياضية والعلمية".
وركز زيتون على ضرورة توعية الشباب وتثقيفهم بمخاطر ذلك الإدمان، وما يتركه على صحتهم النفسية والجسدية من آثار سلبية ومَرضية مدمرة ومهلكة، داعيا كل المؤسسات والجهات المعنية إلى "تعميم ثقافة التستر والأخلاق والاحتشام، وتعظيم القيم الأخلاقية في مجتمعاتنا" تحصينا للمواطنين وتنمية للرقابة الذاتية التي تحجزهم عن الانجرار وراء الشهوات المحرمة، التي لا تقف عند حد.
عربي21