الفرصة سانحة اليوم ليورثكم اللهُ مشارقَ أرضِكم ومغاربَها بعد أن عاث فيكم الطغاة فسادا، وفرقتكم الأنظمة شيّعًا، وديس على ممتلكاتكم وقيمكم وطموحاتكم.
إن عليكم، وأنتم أدرى بما عشتم وتعيشون من قهر وتجبر وتسلط، أن تجعلوا من انتخابات 2019 الفيصلَ الفاصل مع الدكتاتورية والظلم والتخلف. وها أنا أعبر لكم عن استعدادي التام لأكون في مقدمة الساعين إلى ذلك الطلاق الأبدي غير الرِّجعي مع منظومة الاستبداد.
إنني أتعهد أمام الله وأماكم أنني، بدعمكم وبمباركتكم، لن آلوّ جهدا في سبيل التغيير الإيجابي المفضي إلى بناء موريتانيا جديدة قائمة على العدل والإخاء والإنصاف والمساواة.
إخوتي الأعزاء، أبناء وبنات موريتانيا الحبيبة،
لقد عرفتموني صَـدّاحا بالحقيقة، لا أتراجع، أيا كان الثمن، عن قول كلمة الحق أمام سلطان جائر. لذلك نذرت نفسي للدفاع عنكم مهما اختلفت فئاتـُـكم وألوانـُـكم ولغاتكم وجهاتكم ومرتكزاتكم. فالمواطنون بالنسبة لي سواسية في الحاجيات، وسواسية في الحلول، إذ لا شك أن لكل منهم معاناتـُـه ومظالمه حسب موقعه وخارطته.
مواطني الأعزاء،
ستكشف لكم الأيام القادمة، فور انطلاق الحملة الانتخابية، عن برنامجي الانتخابي الطموح، الذي شمل تعهداتٍ واقعيةً في كل مناحي الحياة. لكنني سأحاول هنا، وفي عجالة، أن ألخص لكم بعضا من محاوره الأساسية خاصة ما يتعلق منها بإعادة الاعتبار لشعار الجمهورية الإسلامية الموريتانية.. ذلك الشعار الذي مثــّـل نبراسا لنا عبر عقود من الزمن حلـُمنا خلالها، ولربما عشنا "الشرفَ والإخاءَ والعدالة" رغم كل المطبات. لقد لاحظنا، بعد 59 سنة من الاستقلال، ما عاناه هذا الشعار النبيل من إفلاس لروحه وتلاعب بمضامينه إثر ممارسات الأنظمة المتعاقبة خاصة منذ 1978. وبالتالي فلابد، خلال مستهل المأمورية المقبلة، من إعادة تأسيس عقد وطني جمهوري حول المبادئ الأساسية القادرة على إعادة الاعتبار لهذا الشعار الوطني الزاهي.
أيها الجمع الموقر،
لا أرى من المناسب لأي موريتاني يسعى إلى الوصول إلى السلطة عن طريق أصوات الناخبين، أن لا يجعل ضمن أولى أولوياته محاربة تفاقم ثقافة اختلاس المال العام والرشوة والقبلية والزبونية والتلفيق والنفاق وشهادة الزور. تلك الظواهر المشينة التي لبّدت بغيوم التخلف سماءَ بلادِنا فأنـْـزلتنا إلى الحضيض في مصاف الأمم الحديثة.
وإن انحراف الأنظمة نحو العنصرية والمتلازمات المصاحبة لها، كالتطهير العرقي المجسد في الاغتيالات الجماعية ذات الطابع العنصري، والترحيل القسري، ومصادرة الأراضي، والاقصاء الثقافي، والتفرقة العميقة للمكونات الوطنية، ليدعوني إلى العمل الفوري، وفق برنامج مدروس، إلى إقامة مؤتمر مصارحة ومصالحة حول الحقيقة، والعدالة الانتقالية، وجبر الأعطاب، وتمجيد ذكرى الضحايا الموريتانيين، بمشاركة كل الأطياف الوطنية: بكل مشاربها وانتماءاتها.
وفي ضوء التصنيفات المؤلمة لبلادنا على رأس الأمم التي ما تزال تمارس العبودية بكل أشكالها، فإن علي أن أضع، على وجه السرعة، تشخيصا شفافا وأقدم رؤية وطنية واضحة مبنية على الحقوق المعترف بها عالميا، من أجل القضاء الفوري على الرق ومخلفاته، وهدم الأسس الثقافية للعنصرية، ووضع حد لعنفوان القبلية، وإعادة توزيع الأراضي بصفة عادلة، وإعادة تأهيل اللغات والثقافات الوطنية التي تراجعت بفعل عقود من الظلم. دون أن أنسى خلق آلية لإعادة اللاجئين الموريتانيين إلى قراهم بشكل مشرّف، وتمكينهم من استعادة ممتلكاتهم وأوراقهم الثبوتية.
إخوتي الأفاضل، أخواتي الفضليات،
إن تعهدي بما سبق لا يماثله في صرامته وصدقيته، إلا تعهدي بالقيام، فور الحصول على ثقة الناخبين المسكونين بمصلحة البلاد، بتدقيق مالي شامل حول أموال وممتلكات الدولة، على أن تتكفل به لجنة وطنية مشهود لها بالنزاهة، تشارك في عضويتها كل الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والتقنيين المتخصصين.
وعلى هامش هذا التدقيق المالي، سوف أضع خطة محكمة لمحاربة الرشوة والفساد وتبذير الثروة الوطنية باعتبارها سرطانا لم يزل ينخر جسم الوطن. وإن مثل هذا المرض الفتاك يتطلب التقصي الحقيقي حول أسبابه، وتشخيص انعكاساته، وتحديد المسؤوليات التاريخية عنه، وإعادة تحصين الجمهورية، إدارة ومجتمعًا وقطاعاتٍ، ضد هذه الآفات الهادمة لفكرة الدولة وفكرة المصلحة العامة وفكرة التنمية.
إخوتي في الدين والوطن والقيّم الإنسانية النبيلة،
لا شك أنكم تدركون أنه لابد من عقلنة تسيير الثروات المعدنية حتى نـُجنـّـبها النهبَ والتلاعب والتبديد. وبالتالي فإنني ألتزم بالقيام بكل ما من شأنه إخضاع الحديد والغاز والنفط والذهب، كذا الثروة البحرية، لتسيير عقلاني شفاف ومفيد، عكسا لما تعرفه اليوم من تسيير مافيوي واستعماري جديد، لا مردودية فيه ولا انعكاس له على موريتانيا والموريتانيين. فوحده قطيعٌ من القطط البدينة، المتحلقة حول رؤساء الجمهورية المتعاقبين، يستفيد من الوليمة متواطئا مع شركات أجنبية متعددة الجنسيات. وهكذا فإنني سأجعل تسيير هذه الثروات، والثروات نفسها، في خدمة الرفاه الاجتماعي للعمال الموريتانيين، وللشباب، وللبنى التحتية في إطار خطة شاملة لترقية وازدهار المجتمع الموريتاني.
وعلى ذكر الثقافة المافيوية المنتشرة بمباركة ومشاركة النظام القائم، بات التعليم ألعوبة، وأصبحت الصحة أكذوبة، وكاد الوسط البيئي يضمحل محدثا كوارث غير مسبوقة، ما جعلني أفكر بجدية في انتشال الوضع من خلال إطلاق أيام تفكيرية حول التعليم والصحة والبيئة عسانا نخلصُ إلى مخرجاتٍ تنقذنا من منزلقات العشرية الفارطة.
ولعله من الأولوية بمكان، أن أقضيّ نهائيا على التعليم الحر، وأن أخضِع موظفي التعليم العام وموظفي الصحة العمومية لتدقيق صارم حول شهاداتهم العلمية ومستويات تكوينهم. ومن هذا المنطلق سأشنُّ حربا ضروسا لا هوادة فيها على الشهادات المزورة والتكوينات الزائفة. وسأقرر القيام بتكوينات شاملة متبوعة بتصنيفات جديدة كليا تفضي إلى عمليات دمج جديد أو عمليات طرد من الوظيفة خلال هذه الورشة الوطنية الكبيرة التي أنوي القيام بها. على أن أضع سياسة جديدة للاكتتاب العادل بهدف تصحيح نزوع الأنظمة السابقة إلى جعل بعض قطاعات الدولة حكرا على مكونة وطنية واحدة أو حتى قبيلة واحدة. وفي سياق متصل، سيتم دمج تعليم كل اللغات الوطنية في كل المؤسسات التعليمية، كما ستتم المحافظة على اللغات الأجنبية المفيدة للوطن وإضافة لغات أخرى حسب أهميتها.
وعلى مستوى الصحة بشكل خاص، فإنني أتعهد بأن أنظف سوق الصيدلة من الأدوية المزورة التي تمثل كارثة وطنية فشلت كل الأنظمة في الحيلولة دونها، كما أتعهد بإنزال أشد العقوبة بالمتلاعبين بصحة وحياة المواطنين.
أيها الحضور الكريم،
من نافلة القول أن جل مواطنينا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء إذ لا مسكن يأويهم بفعل الفقر المدقع. ومعروف أن السكن واحد من الحقوق الأساسية للمواطن في بلادِه إن كانت بلادُه تكترث بحقوق مواطنيها. ولهذا فسوف أعمد إلى بناء مساكن مربوطة بشبكتيْ الماء والكهرباء لصالح الأسر الضعيفة ذات الدخل المحدود جدا.
إخوتي، أخواتي،
إن بلادنا المترامية الأطراف، المعزولة عن بعضها البعض، لا يمكنها أن تعرف تنمية مستديمة في ظل انعدام أية برامج تنموية جادة تسعى لتقريب الخدمات وتوفير الحاجيات. لذلك سوف أضع مخططا وطنيا يقوم على إنشاء بُنى تحتية في مجال الطرق الممهدة والطرق المعبدة والطرق السريعة والجسور والسدود والموانئ بغية ربط المناطق الداخلية بالحياة النشطة والتخفيف من عزلتها، والقيام بما يلزم من سياسات الحيطة والأمان من أجل وقف نزيف الأرواح البشرية التي تحصدها الطرق الوطنية.
أيها الجمع الموقر،
لكي لا أطيل عليكم، لا يسعني في ختام هذا الخطاب الذي أعلن من خلاله ترشحي رسميا للانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن أرحب بكل من لبّوْا دعوتنا من الشخصيات السياسية السامية، ومن المجتمع المدني، ومن الإعلاميين والمثقفين والفاعلين والأطر، كما لا يفوتني أن أرحب بالمناضلين المخلصين الذين تحملوا مشقة السفر من بعيد لمشاركتنا هذا الحفل المبارك الميمون.
و"لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ".. صدق الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بيرام الداه اعبيد
مرشح مستقبل لرئاسيات 2019
نواكشوط بتاريخ 25 مارس 2019