طرح التساؤلات هذه الأيام، عن مصير المليارات التي خصصت الحكومة الموريتانية للقطاع الزراعي، دون أن تكون لها أية إنعكاسات إيجابية عليه.
وقال اكتوشني ولد حماد رئيس الاتحادية الوطنية لمزارعي الضفة حول القضية: "لا يماري أحد في أن الحكومة الموريتانية رصدت خلال السنوات الماضية عشرات المليارات من الأوقية لصالح القطاع الزراعي، وبذلت جهودا مضنية من أجل استصلاح آلاف القطع الأرضية، إلا أن الواقع الحالي للقطاع، والاستياء الكبير الذي لم يعد أي مزارع يستطيع إخفاءه يدفع للتساؤل المشروع، هل حقا أنفقت هذه الأموال في تطوير الزراعة؟
لقد استأثر "إصلاح الأراضي"، و"اقتناء الآليات" بنصيب الأسد من هذه التمويلات الضخمة، رغم أن غالبية المناطق التي تم استصلاحها ودشنها رئيس الجمهورية لا وجودها لها اليوم على أرض الواقع، فقد تحولت لمشاريع وهمية خاوية على عروشها.
فحق لنا أن نتساءل عن مصير مشروع استصلاح "بكمون" و"الدخله"، الذي أشرفت عليه شركة "سيمكس" بتكلفة مالية باهظة، في حين لم يتمكن المستفيدون من هذا المشروع من إنتاج أي كميات تذكر من الأرز أو الخضروات، وكان سببا في إعاقة عشرات الأهالي بالديون.
وليس مشروع استصلاح مزرعتي "انكك وتنيدر" بأحسن حالا فقد كلّف المليارات، لكنه حتى الآن ورغم مرور سنوات على تدشينه لم يتمكن أي مزارع من استغلاله أو الاستفادة منه.
ويعاني مشروع قناة افطوط الساحلي للري، الذي كلّف هو الآخر مبالغ مالية كبيرة، بعض النواقص التي ساهمت في الحد من المساحات المزروعة، وتسببت في اختلالات جعلت الجهات المكلفة بمتابعته تمنع دخول الشاحنات.
لقد تم صرف كل هذه المبالغ الهائلة بينما الواقع اليوم شاهد على حجم التحديات، والإخفاق الذي يواجه القطاع الزراعي.
وإنه لمن نافلة القول إن هذه الأموال الطائلة لم تنعكس على واقع القطاع، فالروافد في يوم الناس هذا مسدودة، وشق الطرق يكاد يكون معدوما، والحماية مفقودة، قبل أن يأتي الارتفاع الأخير لأسعار المدخلات الزراعية ليكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
لقد كان ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية مفاجئا وصادما للمزارعين، ولم تجد الجهات المعنية أي مبرر مقنع له.
إن هذه الأزمات المتلاحقة والتي تطوقنا من كل مكان تأتي في وقت تعيش الجهات المكلفة بتسيير القطاع في برج من عاج بعيدا جدا من المزارعين، ولعل ذلك ما جعل رأس الوزارة يتنقل من نواكشوط إلى اترارزة دون أن يسمح للمزارعين بمتسع من الوقت يمكنهم من عرض مشاكلهم الكثيرة، وأجبروا على الاكتفاء بدقيقتين فقط في اجتماع روصو المشهود للحديث عن مشاكلهم التي يعجزون عن عدّها.
وإن حجم الأموال الطائلة التي أنفقت من أجل توفير الآليات الزراعية يساءل الجهات المعنية عن مصير هذه المبالغ في ظل عجز بيّن عن توفير الآليات في الوقت المناسب.
فهل يحق لنا مسائلة الجهات التي تعاقبت على تسيير القطاع الزراعي، عن وجهة هذه التمويلات، خصوصا بعد أن تبين أنه لم يكن في أولوياتها كما هو واضح سوى استدرار عطف الممولين وأخذ المال ثم الاختفاء بعد ذلك خلف كميات هائلة من الشعارات الرنانة، والأحاديث المنمقة.
ثم إنه أليس من الغريب أن تنفق هذه الأموال الهائلة في القطاع الزراعي، وأن يكون المزارعون اليوم على هذا النحو من الاستياء والتدهور؟
إن تحقيقا جديا يتم فتحه من طرف الجهات العليا في البلد كفيل بالكشف عن الجيوب التي ذهبت إليها أموال الشعب، والتي من المؤكد أنها لم توجه للقطاع الزراعي ولم يستفد منها، ولا ينبئك مثل خبير!.
إن القطاع الزراعي اليوم يقف على مفترق طرق، فالحكومة أنفقت عشرات المليارات في هذا القطاع، وهو يشهد في الوقت الحالي انهيارا غير مسبوق، ولعل ذلك ما يعزز شكوك البعض في أن هذه المشاريع لا تعدو أن تكون على الأوراق، بينما ذهب تمويلها إلى حسابات لا علاقة لها بالقطاع.
ميادين