يعتبر السجن احدي العقوبات الهامة في الأنظمة الجزائية وأهميتها متأتية من خطورتها؛ إذ هي عقوبة تسلط علي اغلي المكاسب التي كافحت الإنسانية في كافة الأقطار والأزمان من اجل حمايتها وصيانتها وهي الحرية الذاتية للإنسان.
وقد ثارت الشكوك بدأ من منتصف القرن الماضي حول قدرة النظام العقابي التقليدي الذي يقوم علي العقوبة السالبة للحرية وحدها علي تحقيق الأغراض المنوط به ؛ كما وجهت الانتقادات له لارتفاع نفقاته .
وقد أصبحت العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة محلا للشك والجدل حول قيمتها وجدواها ولا سيما إذا ما علمنا أن هذه العقوبة هي الغالبة في أحكام القضاء .
فرغم أن العقوبة السالبة للحرية كانت تقدما إنسانيا كبيرا؛ بالنسبة للعقوبات البدنية ؛إلا إنها تبدو اليوم قاصرة عن تحقيق ماترمي إليه السياسة العقابية الحديثة؛ فلم تفلح هذه العقوبات في تحقيق الإصلاح المطلوب للمحكوم عليه؛ بما يضمن إعادة تأهيله فهي تضع المحكوم عليه في السجن مدة قصيرة وهذه المدة غير كافية للتعرف عليه ؛ ومن ثم إخضاعه لبرنامج تأهيلي إصلاحي مناسب لان العقوبة لا تكون فقط لغرض الردع والاقتصاص للمجتمع وإنما كذلك لإصلاح من زلت به القدم والعمل علي إعادة تأهيله لإدماجه في المجتمع.
وقد لوحظ للأسف أن نسبة التكرار "العودة للجريمة" مرتفعة لدي المفرج عنهم من السجون بعد تنفيذ عقوباتهم قصيرة المدة وهذا يدل علي أن هذه العقوبة لم تكن نافعة لهم ؛ كما أخفقت هذه العقوبات في تحقيق الردع في تحقيق الردع بنوعيه العام والخاص فلم تؤدي إلي خفض معدل الجرائم بل علي العكس تؤكد الإحصاءات ازدياد معدل الجريمة بشكل مخيف؛ ويضاف إلي عيوب النظام العقابي التقليدي ارتفاع نفقاته , وذلك بسبب اعتماد هذا النظام علي العقوبات السالبة للحرية كجزاء للجرائم كلها تقريبا؛ وكما هو معلوم فإن مجتمع السجن هو مجتمع مكلف ماليا. كما أن تحول العقوبة إلي الإصلاح وإعادة التأهيل بدلا من الإيلام والترهيب يتطلب نفقات باهظة.
أمام هذه المؤشرات الخطيرة كان علي السياسة العقابية الوطنية أن تعيد النظر في إستراتجيتها وتبدأ بالبحث عن أنظمة عقابية تحقق فاعلية أكبر في تحقيق الأغراض العقابية المعاصرة بتكاليف أقل والاتجاه بما يسمى ترشيد العقاب ففي النصف الثاني من القرن عرفت السياسات العقابية تحولا نحو عدم الإسراف في استخدام العقوبات السالبة للحرية وتحديدا قصيرة المدة والسعي لإيجاد عقوبات بديلة عن العقوبة السالبة للحرية تفيد المجتمع والمجرم معا وتوفر ظروفا أفضل لنجاح عملية التأهيل الاجتماعي.
وقد حرصت التشريعات المقارنة المعاصرة في تبنيها للعقوبات البديلة علي جعل هذه البدائل قابلة للتطبيق ضمن بيئة المحكوم عليه الحرة مادامت هذه البيئة قابلة لعملية الارتقاء نحو مستويات سلوكية أفضل وكان العمل للمنفعة العامة إحدى أهم العقوبات البديلة التي توفر هذه الشروط.
وقد عرف هذا النظام بأنه"عقوبة قوامها إلزام المحكوم عليه بعمل مفيد لصالح هيئة أو مؤسسة أو جمعية عامة وبصورة مجانية وذلك في مدة محددة قانونا تقررها المحكمة "وقد وجد بان العمل للمنفعة العامة يخلق لدي المحكوم عليه شعورا بالمسؤولية في خدمة الناس والمجتمع مما يسهم في إصلاحهم بصورة واضحة كما أن نسبة العودة إلي الجريمة لدى من حكم عليهم بمثل هذه العقوبة اقل بكثير ممن حكم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة أن الشريعة الإسلامية قد اعتمدت نظاما جنائيا يقوم علي أساس حماية المجتمع الإسلامي وحماية الأفراد المنتمين إليه ويعتمد هذا النظام علي تقسيم الجرائم إلي ثلاثة أنواع وهي جرائم الحدود و جرائم القصاص و جرائم التعزيز فالأولى حددها حددها القران الكريم والسنة النبوية تحديدا كاملا لا مجال للاجتهاد فيه سواء تعلق الأمر بالفعل أو العقاب المقرر له أما النوع الثاني فيتعلق بجرائم الاعتداء علي النفس بالضرب والجرح والقتل وحكمها حدد بالقران والسنة أيضا أما النوع الثالث أو ما يسمي بجرائم التعزير فإنه يقع تحديد أنواع هذه الجرائم من طرف القاضي مع ترك الحرية له في تحديد العقاب المناسب.
وتكمن الأهمية في النداء بضرورة وأهمية إقرار المشرع عقوبة العمل للمنفعة العامة كبديل للحبس كعقوبة تقليدية كأحد الأشكال البديلة عن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة قد يسهم في الحد من ظاهرة اكتظاظ السجون الذي تعاني منعه إدارة السجون ويقلل من النفقات ويوفر فائدة و ربحا للدولة .
1-إن الزج بالأشخاص وخاصة الإحداث منهم و النساء في سجون أو مراكز إصلاح أو تأهيل يشكل بالنسبة لهم وصمة عار من حيث أن الزج بهم في تلك المؤسسات يؤدي بهم إلي استمرار دخول تلك المراكز اعتيادا منهم عليها غير مبالين بنظرة المجتمع غير المنصفة إليهم الذي أصبح ينظر إليهم بدون وجه حق ويصورهم علي أنهم أصبحوا من العتاة المجرمين .
2- إن المصلحة تقتضي بان لا يرسل احد إلي السجن لمدة قصيرة ولا لمركز إصلاح لا سيما إذا كان من الأحداث أو المجرمين بدون سوابق لان الحبس لمدة قصيرة لاتكفي للتأثير علي المحكوم عليه وإصلاحه وربما أدى ذلك إلي عدم مبالاته بالحبس أو اكتسابه خلق الإجرام فضلا عن تكليف الخزينة مصاريف لامبرر لها والأفضل تقرير الغرامة أو الشغل خارج السجن.
3- لا يوجد ما يمنع من تطبيق عقوبة العمل للمنفعة العامة علي الأحداث متى ارتأت المحكمة أنها تفيد في إصلاحهم ولكن ضمن قيود وشروط قانونية محددة.
لا بد من الإشارة إلي انه قد يبدو العمل للمنفعة العامة للرأي العام وكأنه تراخي في ردة الفعل الاجتماعي علي الجريمة فالمفاهيم والأفكار المتعلقة بالقصاص والمعاقبة لا يمكن التخلي عنها أو تعديلها ببساطة وسهولة لأنها جزء من ثقافة الشعوب ومرافقة لتربيتها ومن هنا تأتي أهمية الحرص علي عدم نزع الطابع الجزائي عن العمل للمنفعة العامة وعلي إقناع الرأي العام بقدرته علي تحقيق الإصلاح والوقاية وبمساوئ عقوبة السجن التي تنعكس علي السجين والمجتمع.
للاطلاع علي الموضوع يمكن مراجعة مقالي المنشور في مجلة المحاكم الموريتانية في عددها الثالث تحت عنوان عقوبة العمل للمنفعة العامة كبديل عن العقوبات السالبة للحرية الضرورة والمعوقات.
ذ/احمد حبيب صو كاتب ضبط رئيسي بمحكمة استئناف نواذيبو هاتف 22373404