وأخيرا، صحت الطبقة السياسية الموريتانية العتيدة من سباتها العميق.. وبدأت تفيق شيئا فشيئا من أفيون المأمورية الثالثة الذي خدرت به نفسها زمنا طويلا، وهبت تترنح في حلبة سباق الاستحقاق الرئاسي المحموم، حين لا ينفع الوصل!
تشبث قوم بطوق نجاة الحزب الحاكم بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وما يزال آخرون يتلمسون أنجع الفجاج صونا للمصالح والامتيازات - ولو قلت- في هذا "الزمن الموريتاني الرديء"! وتعلق بعض بأذناب قطار انطلق مسرعا في وقت معلوم إلى هدف معلوم!
وكم كانوا جميعا في غنى عن هذا الهرج والمرج، لو أنهم تمسكوا بأصول السياسة، وحكَّموا العقل والمصلحة الوطنية، ونأوا عن وسوسة المبطلين!
ذلك أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان قد أعلن منذ زمن بعيد على رؤوس الأشهاد مرارا وتكرارا كلما دعا إلى حوار يجمع كلمة الوطن ويوطد الديمقراطية، أنه لن يترشح بتاتا لمأمورية ثالثة، احتراما منه لنفسه ولشعبه وللدستور، وبرا بقسمه. وما كان على قادتنا معارضة وموالاة وما بينهما إلا أن يغتنموا الفرصة الثمينة في الوقت المناسب ويعدوا لها ما استطاعوا، فيستفيدوا ويفيدوا وطنهم وشعبهم!
ولكن هيهات!
الآن وقد حصحص الحق، فإنه لا يبدو - مع الأسف- أن في جعبة بعض قادة رأينا، بدل الريادة، سوى التشكيك في جدوى ومغزى ترشيح الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأغلبيته للسيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد، ولسان حالهم يقول: {أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال}!
ولنا أن نتساءل هنا كيف يمكن أن يغيب عن علم جهابذة المنظرين والمفكرين والمؤرخين ما ينطوي عليه هذا القرار الشجاع الحكيم من مصلحة ورشاد وسداد، وما سينتج عنه من خير عميم:
- فالرجل هو أحد أبطال حركتي 3 و6 أغسطس المجيدتين اللتين أنقذتا البلاد والعباد من حضيض التيه والضياع والهدر والفساد والتمزق والخوف والإرهاب الذي كنا نتردى فيه! ومن لا يقف على صرح حركتي 3 و6 أغسطس لا حق له في الكلام في موريتانيا الجديدة، أحرى أن تسول له نفسه الطموح إلى الترشح لقيادتها، والعبور بها إلى بر الأمان في أول اختبارِ تداولٍ ديمقراطيٍّ للسلطة!
- والرجل في رصيده منجزاتُ عشريةِ الأمن والسلم الأهلي والبِناء والنماء والإصلاح والحرية والديمقراطية التي أنعم الله بها علينا في هذا العهد الميمون؛ والتي هو أحد بُناتها وحارسها القوي الأمين الثابت رغم التحيات، والذي ظل ظهيرا وعونا قويا وشريكا فيها لأخيه وصديقه ورفيقه في الفكر والسلاح؛ فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز.
- والرجل على خلق عظيم لا مراء فيه؛ فهو يجمع بين التواضع والزهد العريق وسمو النفس والطموح إلى المعالي والشجاعة والصرامة والحزم والثبات والتكتم. كما يجمع أيضا بين المعارف الأصلية والعلوم الحديثة المدنية والعسكرية. وهو كذلك من أقدم وأبرز جنرالات جيشنا الوطني الجمهوري البطل الذي بناه بعد اندثاره وقاده أزيد من عشر سنوات ويتمتع باحترامه وتأييده.
- والرجل فوق هذا وذاك هو مرشح رئيس الجمهورية، ومرشح رئيس البرلمان والبرلمان، ومرشح رئيس الحزب الحاكم والحزب الحاكم؛ وبالتالي فهو مرشح الأغلبية الذي ينعقد حوله إجماعها التام وتأييد معظم الشعب الموريتاني الذي منحها ثقته.
تبقى كلمة إشادة وشكر وعرفان للرئيس محمد ولد عبد العزيز على اضطلاعه بامتياز منقطع النظير بما عجز عنه جل - إن لم نقل كل- نظرائه؛ ألا وهو: الوفاء للشعب والتخلي طواعية عن السلطة، وتحضير الخلف القوي الأمين. وهذه الأخيرة هي لعمري الأصعب منالا في جميع تحديات السلطة التي لا تحصى! ونحن مطمئنون أنه - إن شاء الله- لن يكون بعيدا عن تسيير الشأن الوطني العام وصيانة المكاسب ودفع مسيرة الإصلاح إلى الأمام لإكمال النواقص وتحقيق المطامح والأهداف الكبرى التي تتجلى فيها ريادة وحكمة الشعب الموريتاني الأبي، وشد عضد أخيه وحمايته من شياطين الإنس قبل شياطين الجن!
وفي الختام نتمنى أن يعتبر قادتنا ويتأسوا بالأمير العظيم اعلي ولد أحمد محمود "شيخ الحوظ" رحمه الله، ويتعلموا من حكمته وحكمه؛ فقد تنازل طواعية عن الإمارة لإخوته دون أدنى تدخل في شأنها.. ولكنه مع ذلك ظل الأمير الفعلي والمرجع الأول والأخير والسيد في إمارة الحوض، وأن يتدبروا قوله المأثور في السلطة:
الدَّرْجَه مَخْلُوگِةْ رَفَّــه ** يَغَيْرْ الدَّرْجَه گِرْبِتْ فِيلْ
مَا يِگْدِرْ حَدّْ إحَشْلَفَّـــه ** اُحَدّْ افْلِتْهَا يُوغِدْ فِسَّيْـلْ!
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو