حكم الرداءة/الولي سيدي هيبه

ثلاثاء, 12/02/2019 - 16:14

"لأن للرداءة وجوها كثيرة ولأنها انتشرت كالوباء لتنقل فيروساتها المعدية في كل الأوساط والفئات، بتنا نخالها عادية بل وطبيعية تصديقا لكلمة المفكر الأمريكي الشهير "نعوم تشومسكي" حين قال: اجعل الرداءة تعمّ حتى تصبح عادية ثم مستساغة ثم مطلوبة" ـ رشيد الكرّاي ـ

 

كيف لشؤون بلد أن تستقيم وجل مؤسساته تدار بأسلوب الرداءة والمجاملة. وكيف للتسيير أن يستقيم والتعيينات على رأس هذه المؤسسات تجري بمنطق المكافأة على المواقف التأييدية والانحيازية في الدائرة السياسوية الانتهازية والمجتمعية الضيقة بمرفوض القبلية وظالم الإقطاعية وغائب الوطنية؟ الأمر الذي:

 

·        لا تخفيه مطلقا حلقات الشاي التي لا تنتهي في المكاتب وضعف الأداء الصارخ على أرض الواقع وسيئ المخرج بالنهاية،

 

·        ويفضحه الاكتظاظ السافر، من الموظفين المزيفين في الردهات والدهاليز والأروقة والمكاتب المصابة بالعقم، نتيجة سيل التعيينات الذي لا ينقطع في مد لا يعرف جزرا بلا كفاءات ولا تراكم من التجارب ولا محطات تكوينية تؤهل؛ تعيينات لا تخضع لأي معيار وظيفي أو تلبي حاجات منطقية ترفع من نوعية الأداء وتدفع إلى استمرار التحسن،

 

·        عجز المؤسسات التخطيطية و التسييرية و المفرض لها أن تكون علمية

 

بلى إنها الفوضى المعشعشة في كل أوصال الدولة تكرس حكم الرداءة Consacre le pouvoir de la médiocrité، في أسوء أوجهها، بأن سخرت ضعيف الإدارة وخائر المؤسسات لمزيد من الركاكة والتقهقر، والبلدَ لمزيد من الارتهان إلى لتخلف والانفصال عن ركب الأمم.

 

ولكن يبقى، الأدهى والأمر، أن هذه الرداءة التي فُرضت وسقيت على إيقاع رعاية مكثفة، بفعل عقلية متكئة على ماضوية إقطاعية لا تؤمن بفعل البناء ولا بإيثار الوطن الغائب في المسلك وعن التفكير، أصبحت بحق عادية ومستساغة ومطلوبة في سياق الذي أصبح بلا ريب حكم الواقع والنهج المتبع تذكي جذوتهما وتضمن لهما فيالقه من:

 

·        الزعامات التي توصف جورا، في عصر المدنية والتحضر ورقي الفكر، بالتقليدية الناطقة باسم القبائل المؤثرة والمفوضة من طرف قبائل الصف الثاني وشرائح الدونية،

 

·        ملاك الأحزاب المرخصة بلا شروط، لا تملك خطابا أو فكرا أو تراكما أو برامج أو مقرات، وإنما في حقيقة الأمر هي امتداد للمنطق القبلي والجهاتي والمنهج السيباتي،

 

·        زُمر المارقين على نبل الثقافة في الصميم، وباعة ثمرات الشهادات العالية بمنحط التقرب المتملق من مراكز القوة، وبزائل الحطام من أهل الجسارة على نهب المال العام،

 

·        أصحاب بعض العمامات المشاب بياضها بدرن التملق وتحريف وجهات النصوص ومضامينها إلى إرضاء المستأسدين في دوائر القوة والنفوذ والمال،

 

·        غثاء العامة التي تبحث - من جوع وخوف وجهل وأسر الخرافة و أغلال المضي الحاضر بكل ثقله - عن فتات موائد القابضين على مقدرات البلد.