اقرأ هذه القصة التي قد تغير رأيك في كثير من الامور , وقد تلفت نظرك الى أشياء كانت غائبة عنك.
إنها قصة طويلة على غير ما عودناكم عليه , لكن لأهميتها فضلنا أن تطلعوا عليها.
جلس سالم على مكتبه مهموماً حزيناً ولاحظ زميله في العمل صالح ذلك الوجوم والحزن على وجهه فقام عن مكتبه واقترب منه وقال له :
سالم نحن إخوة وأصدقاء قبل أن نكون زملاء عمل وقد لاحظت عليك منذ قرابة أسبوع أنك دائم التفكير كثير الشرود وعلامات الهم والحزن بادية عليك وكأنك تحمل هموم الدنيا جميعها وكما تعلم فالناس للناس.
سكت سالم قليلا ثم قال أشكر لك يا صالح هذا الشعور النبيل وأنا أشعر فعلا أنني بحاجة إلى شخص أبثه همومي ومشاكلي عسى أن يساعدني في حلها.
اعتدل سالم في جلسته وسكب لزميله صالح كأسا من الشاي ثم قال :
القضية يا صالح أنني كما تعلم متزوج منذ قرابة ثمانية أشهر وأعيش أنا وزوجتي في البيت بمفردنا ولكن المشكلة تكمن في أن أخي الأصغر (( أحمد )) ذا العشرين عاماً أنهى دراسته الثانوية وتم قبوله في الجامعة هنا في العاصمة وسيأتي بعد أسبوع أو أسبوعين ليبدأ دراسته , لذا فقد طلب مني أبي وأمي وبإصرار وإلحاح شديدين أن يسكن أخي أحمد معي في منزلي بدلاً من أن يسكن مع بعض زملائه الطلاب في شقة من الشقق أو غرفة من الغرف التي يستأجرها زملاؤه لأن والديه يخشون عليه من الإنحراف والضياع , ولأن هذه الشقق كما تعلم تجمع من كل من هب ودب والغث والسمين والمؤدب والضائع ,وكما يقولون فالصاحب ساحب .
ويتابع سالم حديثه قائلا : أنا رفضت طلب والديّ بشدة لأن أخي شاب مراهق ووجوده في منزلي خطر كبير , وكلنا مرّت به فترة الشباب والمراهقة ونعرفها جيداً , وقد أخرجُ من المنزل أحيانا وهو نائم في غرفته وقد أتغيب عن المنزل لعدة أيام بسبب ظروف العمل .. وقد .. وقد ..وقد , ثم إني استفتيت أحد العلماء الفضلاء في هذا الموضوع فحذرني من السماح لأي شخص ولو كان أخي الشقيق بالسكن معي ومع زوجتي في المنزل ,وذكّرني بقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المجال (( الحمو الموت )) أي "الصهر".
أي أن أخطر شيء على الزوجة هم أقارب زوجها كالاخ والعم والخال وأبنائهم ,لأن هؤلاء يدخلون البيت بكل سهولة ولا يشك فيهم أحد ومن هنا تكون الفتنة بهم أعظم وأشد .
سكت سالم قليلاً وتناول رشفة من كأس الشاي الذي أمامه ثم تابع قائلا : وحين وضحت لأبي وأمي هذه الأمور وشرحت لهم وجهة نظري وأقسمت لهم بالله العظيم أنني أتمنى لأخي أحمد كل خير , غضبا مني وهاجماني عند الأقارب واتهماني بالعقوق ووصفاني بأنني مريض القلب وسيء النية وخبيث القصد لأنني أسيء الظن بأخي , مع أنه لا يعتبر زوجتي إلا في منزلة أخته الكبرى .
ووصموني بأنني حسود حقود أكره لأخي الخير ولا أريده أن يكمل تعليمه الجامعي .
والأشد من كل هذا يا صالح أن أبي هددني قائلاً : هذه فضيحة كبيرة بين الناس كيف يسكن أخوك مع الغرباء وبيتك موجود , ووالله إذا لم يسكن أحمد معك لأغضبن عليك أنا وأمك إلى أن تموت و"لا نعرفك ولا تعرفنا" بعد اليوم ونحن متبرئون منك في الدنيا قبل الآخرة .
أطرق سالم برأسه قليلا ثم قال : وأنا الآن حائر تائه فمن جهة أريد أن أرضي أبي وأمي ومن جهة لا أريد أن أضحي بسعادتي الأسرية فما رأيك يا صالح في هذه المشكلة العويصة ؟؟.
اعتدل صالح في جلسته ثم قال : اسمح لي يا سالم أن أقول لك إنك شخص موسوس وشكاك وإلا فما الداعي لكل هذه المشاكل والخلافات مع والديك ,ألا تعلم أن رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما وماذا سيجرى إذ سكن أخوك معك في منزل واحد وسيقوم بشئون وحاجيات البيت في حال تغيبك لأي سبب من الأسباب.
سكت صالح قليلا ليرى أثر كلامه على وجه سالم ثم تابع قائلاً : ثم إني أسألك لماذا سوء الظن بأخيك ولماذا تتهم الأبرياء بدون دليل أنسيت قول الله ((( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم )) أخبرني , ألست واثقاً من زوجتك ألست واثقاً من أخيك فقاطعه سالم قائلاً أنا واثق من زوجتي ومن أخي ولكن أيــــ,, فقاطعه صالح معاتباً قائلاً عدنا إلى الشكوك والأوهام والتخيلات ثق يا سالم أن أخاك احمد سيكون هو الراعي الأمين لبيتك في حال حضورك وفي حال غيابك ولا يمكن أن تسول له نفسه أن يقترب من زوجة أخيه لأنه ينظر إليها وكأنها أخته واسأل نفسك يا خالد لو كان أخوك احمد متزوجاً هل كنت ستفكر في التحرش بزوجته أو التعرض لها بسوء؟ أظن أن الجواب معروف لديك , سالم لماذا تخسر والدك وأمك وأخاك وتفرق شمل العائلة وتشتت الأسرة من أجل أوهام وتخيلات وشكوك واحتمالات لا حقيقة لها فكن عاقلاً وارضِ أباك وأمك ليرضى الله عنك , وأنصحك أن تجعل أخاك أحمد في القسم الأمامي من المنزل وتجعل بابا فاصلا بين القسم الأمامي وبقية غرف المنزل .
اقتنع سالم بكلام زميله صالح ولم يكن أمامه مفر من القبول بأن يسكن أخوه احمد معه في المنزل ..
بعد أيام وصل احمد واستقبله سالم ثم توجها سوياً إلى المنزل ليقيم في القسم الأمامي وسارت الأمور على هذا المنزل .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ودارت الأيام دورتها المقدرة لها في علم الله تعالى وبعد أربع سنوات ها هو سالم قد بلغ الثلاثين من عمره وأصبح أباً لثلاثة أطفال وها هو أحمد في السنة الدراسية الأخيرة له وقد أوشك على التخرج من الجامعة وقد وعده أخوه سالم بأن يسعى له في وظيفة مناسبة في الجامعة وبأن يبقى معه في نفس المنزل حتى يتزوج وينتقل مع زوجته إلى منزله الخاص به ..
في ذات مساء وبينما كان سالم عائداً من عمله بسيارته بعد منتصف الليل إلى منزله وبينما هو يسير في أحد الطرق في حي مجاور لمنزله إذ لمح من بعيد شبحين أسودين على جانب الطريق فاقترب منهما وإذا بهما في الحقيقة عجوز كبيرة في السن ومعها فتاة مستلقية على الأرض وهي تصرخ وتتلوى والعجوز تصيح وتولول : أنقذونا أغيثونا يا أهل الخير .
استغرب سالم هذا الموقف ودعاه فضوله إلى الإقتراب منهما أكثر وسؤالهما عن سبب وقوفهما على جانب الطريق فأخبرته العجوز أنهم ليسوا من أهل هذه المدينة حيث لم يمضِ على إقامتهم فيها إلا أسبوع فقط وهم لا يعرفون أحدا هنا ,وأن هذه الفتاة هي ابنتها وزوجها مسافر خارج المدينة لظروف عمله وقد فاجأتها آلام الولادة قبل موعدها المحدد وابنتها تكاد أن تموت من شدة الألم ولم يجدوا أحداً يوصلهم إلى المستشفى لتلد الفتاة هناك , ثم خاطبته العجوز والدموع تنهمر من عينيها وهي تتوسل إليه قائلة أرجوك , أقبِّل قدميك اعمل معي معروفا , أوصلني وابنتي إلى أقرب مستشفى , الله يحفظ زوجتك وأولادك من كل مكروه ..
أثرت دموع العجوز وصراخ الفتاة الملقاة على الأرض في قلب سالم وتملكته الشفقة عليهما وبدافع النخوة والشهامة والمروءة ومساعدة المكروب وإغاثة الملهوف وافق على إيصالهم إلى المستشفى فقام بمساعدة العجوز بإركاب الفتاة داخل السيارة ووضعها على الكراسي الخلفية ممددة ثم انطلق بهما مسرعاً إلى أقرب مستشفى للولادة ولم تفتر العجوز أم الفتاة طوال الطريق عن الدعاء له بالخير والتوفيق وأن يبارك الله له في زوجته وذريته ..
بعد قليل وصلوا إلى المستشفى وبعد إنهاء الإجراءات النظامية في مثل هذه الحالات دخلت الفتاة إلى غرفة العمليات لإجراء عملية قيصرية بعد أن تعذرت ولادتها بشكل طبيعي ..
وإمعاناً من سالم في الكرم والشهامة والمروءة لم تطاوعه نفسه أن ينصرف ويدعَ هذه العجوز المسكينة وابنتها الضعيفة لوحدهما قبل أن يتأكد من نجاح العملية وخروج المولود بسلام فأخبر العجوز بأنه سينتظرها في صالة انتظار الرجال , وطلب منها إذا انتهت العملية وتمت الولادة بنجاح أن تبشره بذلك واتصل بزوجته في المنزل وأخبرها أنه سيتأخر قليلاً في المجيء إلى البيت وطمأنها على نفسه .
جلس سالم في صالة انتظار الرجال وأسند ظهره إلى الجدار فغلبته عينه فنام ولم يشعر بنفسه ...
لم يدر سالم كم مضى عليه من الوقت وهو نائم , لكن الذي يذكره جيداً تلك المشاهد التي لم تمحى من ذاكرته أبدا ,لقد أفاق من نومه على صوت صراخ الطبيب المناوب واثنان من رجال الأمن يقتربون منه والعجوز تصرخ وتولول وتشير بيدها إليه قائلة هذا هو .. هذا هو ..
دُهش سالم لهذا الموقف فقام عن مقعده واتجه مسرعاً صوب العجوز وبادرها بلهفة قائلا هاه , هل تمت الولادة بنجاح ..؟
وقبل أن تنطق العجوز بكلمة اقترب منه ضابط الأمن وقال له أنت سالم؟ قال نعم ,فقال له الضابط نريدك خمس دقائق في غرفة المدير , دخل الجميع غرفة المدير وأغلقوا عليهم الباب وهنا أخذت العجوز تصرخ وتضرب وجهها وتلطم خدها وتشد شعرها وهي تصيح قائلة هذا هو المجرم السافل أرجوكم لا تتركوه يذهب واحسرتاه عليك...
تعرف على بقية مأساة سالم العجيبة بالضغط هنــــا