قرر الشاب جمال الزواج وطلب من أهله البحث عن فتاة مناسبة ذات خُلق ودين ، كما جرت بذلك التقاليد
العائلية ,ولم يطل البحث حتى وقع اختيارهم على إحدى قريباته وشعروا بأنها تناسبه ثم ذهبوا
لخطبتها ولم يتردد أهل البنت في الموافقة لمِا كان يتحلى به جمال من مقومات تغرى أية أسرة بمصاهرته وسارت الأمور كما يجب وأتم الله فرحتهم ، وفي عرس جميل متواضع ,اجتمع الأهل والأصحاب للتهنئة .
وشيئاً فشيئاً بعد الزواج وبمرور الأيام لاحظ المحيطون بجمال هيامه
وغرامه الجارف بزوجته وتعلقه بها وبالمقابل أهل الفتاة استغربوا عدم مفارقة ذكر زوجها للسانها .
أي نعم هم يؤمنون بالحب ويعلمون أنه يزداد بالعشرة ولكن الذي لا
يعلمونه أو لم يخطر لهم ببال أنهما سيتعلقان ببعضها إلى هذه الدرجة.
وبعد مرور ثلاث سنوات على زواجهما بدأوا يواجهون الضغوط من الاسرتين في مسألة الإنجاب، لأن الآخرين ممن تزوجوا معهم في نفس التاريخ أصبح لديهم طفل أو اثنان وهم مازالوا كما هم ، وأخذت الزوجة تلح على زوجها أن يكشفوا عند الطبيب علّ
وعسى أن يكون أمراً بسيطاً يتنهي بعلاج أو توجيهات طبية ,
وهنا وقع ما لم يكن بالحسبان ، حيث اكتشفوا أن الزوجة (عقيم )!!
وبدأت التلميحات من أسرة جمال تكثر والغمز واللمز يزداد إلى أن صارحته والدته وطلبت منه أن يتزوج بفتاة ثانية ويطلق زوجته أو يبقيها على ذمته إن رضيت , وذلك بغرض الإنجاب من زوجة أخرى ، فطفح كيل جمال الذي جمع أفراد أسرته وقال لهم بلهجة الواثق من نفسه تظنون أن زوجتي عقيم ؟! إن العقم الحقيقي لا يتعلق بالإنجاب ، أنا أراه في المشاعر الصادقة, والحب الطاهر العفيف ,ومن ناحيتي ـ ولله الحمد ـ تنجب لي زوجتي في اليوم الواحد أكثر من مائة مولود وأنا راض بها وهي راضية فلا تعيدوا لها ولا لي سيرة هذا الموضوع التافه أبداً.
.وأصبح العقم الذي كانوا يتوقعون وقوع فراقهم به ، سبباً اكتشفت به
الزوجة مدى التضحية والحب الذي يكنه جمال لها ,وبعد مرور أكثر من تسع سنوات قضاها الزوجان على أروع ما يكون من الحب والرومانسية بدأت تهاجم الزوجة أعراضُ مرض غريبة اضطرتهم إلى الكشف عليها بقلق في إحدى المستشفيات ، التي حولهم لكن تلك المستشفى أحالتهم إلى( مستشفى آخر تخصصيا , وهنا زاد القلق لمعرفة الزوج وعلمه أن المحولين إلى هذا المستشفى عادةً ما يكونون مصابين بأمراض خطيرة .
وبعد تشخيص الحالة وإجراء اللازم من تحاليل وكشف طبي ، صارح الأطباء جمال بأن زوجته مريضة بداء عضال , وعدد المصابين به معدود على الأصابع في منطقة افريقيا والشرق الاوسط ,وأنها لن تعيش كحد أقصى أكثر من خمس سنوات بأية حال من الأحوال والأعمار بيد الله .
ولكن الذي يزيد الألم والحسرة أن حالتها ستسوء في كل سنة أكثر من
سابقتها، والأفضل إبقاؤها في المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة إلى أن يأخذ الله أمانته , لكن جمال لم يخضع لرغبة الأطباء ورفض إبقاءها لديهم وقاوم أعصابه كي لا تنهار وعزم على تجهيز شقته بالمعدات الطبية اللازمة لتهيئة الجو المناسب كي تتلقى
زوجته به الرعاية فاشترى ما تجاوزت قيمته الـ ( 2600000) من أجهزة ومعدات طبية ، جهز بها منزله ليستقبل زوجته بعد الخروج من المستشفى ، وكان أغلب المبلغ المذكور قد استدانَهُ ,بالإضافة إلى سلفة اقترضها من البنك .
واستقدم لزوجته ممرضة متفرغة كي تعاونه في القيام على حالتها ، وتقدم بطلب لإدارته ليأخذ اجازة من دون راتب ، ولكن مديره رفض لعلمه بمقدار الديون التي تكبدها ، فهو في أشد الحاجة لراتبه ، فكان في أثناء دوامه يكلفه بأشياء بسيطة ما إن ينتهي منها حتى يأذن له رئيسه بالخروج ، وكان أحياناً لا يتجاوز وجوده في العمل الساعتين ويقضى باقي ساعات يومه عند زوجته يُلقمها الطعام بيده ، ويضمها
إلى صدره ويحكي لها القصص والروايات ليسليها وكلما تقدمت الأيام زادت الآلام ، وجمال يحاول جاهداً التخفيف عنها , وكانت قد أعطت ممرضتها صندوقاً صغيراً طلبت منها الحفاظ عليه وعدم تقديمه لأي كائن كان ، إلا لزوجها إذا وافتها المنية .
.وفي يوم الاثنين مساءً بعد صلاة العشاء كان الجو ممطراً وصوت زخات
المطر حين ترتطم بنوافذ الغرفة يرقص لها القلب فرحاً ..
أخذ جمال ينشد الشعر على مسامع حبيبته ويتغزل في عينيها ، فنظرت له نظرة المودع وهي مبتسمة له .. فنزلت الدمعة من عينه لإدراكه بحلول ساعة الصفر , ثم شهقت بعد ابتسامتها شهقة خرجت معها روحها وكادت
تأخذ من هول الموقف روح زوجها معها.
وبعد الصلاة عليها ودفنها بيومين
تابع بقية القصة الحزينة من هنـــــــــــــــــــا