ازداد المشهد الليبي تعقيدا، مع إعلان رئيس الحكومة الليبية السابقة (حكومة الإنقاذ) عمر الحاسي، تشكيل ما يعرف بـ"المجلس الأعلى للثورة"
وبحسب بيان تلاه الحاسي في طرابلس الأربعاء الماضي، فإن من مهام المجلس: "محاربة الجريمة السياسية، وتعديل الاتفاق السياسي وتجميد عمل الأحزاب السياسية، وحل جميع الكيانات الدينية، والعودة لدستور 1951، بعد إجراء بعض التعديلات عليه".
وقال الحاسي إن من أولويات المجلس فتح ممرات إنسانية لمنطقة قنفودة التي تحاصرها قوات خليفة حفتر في بنغازي، وكذلك إدخال مساعدات لمدينة درنة، المحاصرة من قوات حفتر أيضا، معتبرا أن "ليبيا اليوم تعاني من مشهد عسكري انقلابي، أو ثوري فوضوي، أو ديني متطرف".
دور المفتي
وكان مفتي عام ليبيا، الصادق الغرياني، قد أعلن من قبل عن وجود وثيقة دستورية تدعو لتشكيل مجلس للأمة لقيادة البلاد، موضحا، خلال استضافته في برنامج "الإسلام والحياة" بقناة "التناصح" الليبية، في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، أن "اجتماعات بعض الخيّرين خلصت إلى وثيقة دستورية محكمة لتشكيل مجلس للأمة لقيادة البلاد تحفظ حقوق الثوار وتشكل حرسا وطنيّا وحكومة وعلى الثوار دعمها"، وفق قوله.
وأثارت عودة الحاسي للمشهد، ليصبح رئيس الحكومة الرابع الموجود في البلاد، ردود فعل غاضبة بسبب ما قد يسببه "مجلسه" من انقسام يصل لحد الاشتباكات المسلحة في العاصمة، في حين اعتبره البعض إلقاء حجر في المياه الراكدة.
هروب نحو المجهول
وقال عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، إن "إعلان مثل هذه الأجسام الآن يعقد المشهد الليبي أكثر، ويسبب انقسامات وصراعات أخرى، فمن هم الثوار الآن، وكيف سيتم التوافق على المجلس الأعلى لهم بعد سنوات الاقتتال والتخوين والاتهامات؟".
وأضاف لـ"عربي21": "ما فقدناه الآن بعد هذه السنوات هي الدولة، وبالتالي لا بد من العودة لها واستعادة مؤسساتها، ومن خلالها يمكن احتواء الكل، وأي جسم أو مجلس لا يدخل في مشروع الدولة هو محاولة لمزيد من الدمار والهروب نحو المجهول"، على حد قوله.
وقالت الناشطة السياسية الليبية، ميرفت السويحلي، إن "هذا المجلس لا يعني شيئا، ولا أعلم كيف تأسس ومع من اتفق، ولا يبدو أن هناك معرفة به من قبل كثيرين من الفاعلين الحقيقيين في المشهد"، كما قالت.
وأضافت لـ"عربي21": "لا أعلم ما علاقة المفتي بهذا المجلس، ولماذا يُقحمون الرجل فيه، لكن باختصار؛ إعلان جسم غير متفق عليه لن يؤثر على الأوضاع سواء السياسية أو العسكرية"، وفق تقديرها.
لكن، الإعلامي الليبي، محمد السلاك، رأى من جانبه؛ أن "هذه الخطوة تأتي في سياق مزيد من التصعيد والفوضي والتزاحم على السلطة وإرباك المشهد"، مضيفا لـ"عربي21": "لا بد هنا من استشعار خطر اندلاع ثورة جياع تأكل الأخضر واليابس وتطيح بالمتنافسين جميعا، الأمر الذي بات يلوح في الأفق، وفقا للمعطيات الحالية"، بحسب تعبيره.
خطوة للإصلاح
في المقابل، رأى عضو المؤتمر الوطني العام السابق، فوزي العقاب، أن التشكيل الجديد "خطوة للاستعداد للطور الثاني من أطوار الحوار السياسي، خاصة بعدما طالبت دعوات محلية وإقلمية ودولية بضرورة إشراك القوى الموجودة على الأرض في الحوار السياسي، وخاصة أن المجلس الرئاسي وقف عاجزا أمام هذه القوى".
وبخصوص علاقة المفتي بالمجلس، قال العقاب لـ"عربي21": "المفتي داعم قوي ومبارك لهذه الخطوة، فقد سبق أن دعا إلى رص الصفوف، وفي تقديري الخطوة كلها سياسية وليست عسكرية لهذا لن يكون لها ذراع عسكري بمسمى جديد معلن"، وفق قوله.
ومن جهته، قال الناشط السياسي الليبي، فرج فركاش، إن "المجلس محاولة لإيجاد مخرج لحالة الانسداد السياسي، والكل يؤيد أي جهود تؤدي إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني ومحاربة الجريمة السياسية وكشف الفساد المالي والإداري، وهو ما دعا له بيان الحاسي".
وأوضح لـ"عربي21": "لكن الاعتراض فقط على التسمية، "المجلس الأعلى للثورة"، لأنه يذكرنا بنظام القذافي، فالمشروع يجب أن يكون وطني خالص بعيدا عن الإنتماءات السياسية والأيدولوجية، ويبقى "المجلس" في النهاية اجتهادا أو مبادرة يأخذ منها ويرد"، على حد تعبيره.
ورأى الكاتب الصحفي الليبي عبد الله الكبير؛ أن "تأثير هذه الخطوة، يتوقف على مدى استجابة ثوار فبراير لها"، مضيفا لـ"عربي21": "وبخصوص رد فعل حكومة الوفاق الوطني، أعتقد أنها لن تهتم به ما لم يصبح لهذا الكيان تأثير"، وفق تقديره.