شرت صحيفة "أتلنتيكو" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، ودورها في تحديد ملامح الصراع الإقليمي بين إيران والمملكة السعودية اللتين تتنافسان لفرض سيطرتهما في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن بنك جولدمن ساكس توقع بقاء أسعار النفط تترنح بين 30 و40 دولارا، في حين يرى العديد من الخبراء إمكانية تراجعها إلى حدود 25 دولارا للبرميل الواحد في سنة 2017. مع العلم أن منظمة الأوبك (منظمة الدول المصدرة للبترول) لم تتوصل إلى حد الآن إلى اتفاق بين أعضائها لتخفيض الإنتاج بهدف الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط، بسبب الخلاف الإستراتيجي بين إيران والمملكة السعودية الذي يخفي وراءه أبعادا جيوسياسية.
وأكدت الصحيفة أن هذه الأزمة النفطية ترتبط اقتصاديا بالخلل في العرض والطلب، حيث تراجع الطلب على المنتجات النفطية في العالم نتيجة تغير في نظام تصنيع وتركيب وسائل النقل، مثل صناعة السيارات المقتصدة للمحروقات، والمحافظة على البيئة.
وفي السياق نفسه، أضافت الصحيفة أن غاز الشيست، الذي أصبح مادة منافسة للنفط، مهد لبروز قوى عالمية أخرى في مجال الطاقة تهدد اقتصاديات باقي الدول النفطية. ومن بين أبرز الدول المنتجة للشيست، الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، وإيران. إن كل هذه التغييرات العالمية في مجال الطاقة ساهمت في الحفاظ على سعر النفط بين 30 و40 دولارا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الانخفاض ساهم بشكل مباشر في خروج الدول الغربية من الانكماش الاقتصادي. وواصلت الصحيفة حديثها عن الأسباب الاقتصادية المسببة لانهيار أسعار النفط مؤكدة على الأزمة المالية الصعبة التي تعيشها أغلب الدول المصنعة للنفط من بينها؛ المملكة السعودية، والجزائر، وفنزويلا.
وقد قامت هذه الدول، وتحديدا المملكة السعودية بخفض إنتاجها من الذهب الأسود طمعا في رفع سعر البرميل الواحد، ولمجارات المنافسين الجدد المنتجين للغاز الصخري، وقد عملت إيران في كل مرة على إجهاض هذه المحاولات.
من جهة أخرى، تلوح في الأفق أسباب سياسية وإستراتيجية لانخفاض سعر الذهب الأوسط. فقد قامت السعودية بخفض إنتاجها أملا في ارتفاع أسعار النفط من جديد ومقاومة الدول المنتجة للشيست، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران على الرغم من مرور المملكة بصعوبات مالية خانقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية تبدو في حاجة ماسة لرفع أسعار النفط من أجل إرضاء شعبها والحفاظ على حكم آل سعود، إضافة إلى الحفاظ على إشعاعها الإقليمي الذي أصبح مهددا من طرف إيران التي تعمل على استغلال تنوع مواردها للخروج بأخف الأضرار من الأزمة النفطية، والتأقلم مع تقلبات أسعار النفط بطريقة أفضل من المملكة السعودية.
وأضافت الصحيفة أن إيران، العدو اللدود للسعودية، قد بدأت في الإنتاج والتنقيب عن الشيست من أجل إضعاف السعودية اقتصاديا، ويعود ذلك أولا للحرب المفتعلة بين السنة والشيعة، ولحلم إيران في السيطرة المطلقة على منطقة الشرق الأوسط، فتنوع الموارد الطاقية في إيران سيكسبها هامشا أكبر داخل منظمة الدول المصدرة للنفط مقارنة بالمملكة السعودية. وقد دخلت روسيا في الخط من خلال توددها من المسؤولين العراقيين، طمعا في أن تكون الدولة الجديدة حامية للنفط العراقي.
وأكدت الصحيفة أن كل هذه الأسباب تؤكد وجود حرب دولية غير معلنة بين دول المنطقة، وتحديدا بين إيران والمملكة السعودية. وفي المقابل، تطمح أغلب دول العالم في انتعاش أسعار النفط من جديد، لأن ذلك يمثل أولا مصدرا ثابتا للطاقة، وثانيا بسبب المخاوف من ارتفاع عمليات التنقيب وإنتاج غاز الإردواز الذي يهدد البيئة والطبيعة.
وفي الختام، تبقى أسواق النفط العالمية في انتظار القوة الإقليمية الجديدة التي ستسيطر سياسيا على الشرق الأوسط، في الوقت الذي اشتدت فيه المنافسة بين السعودية وإيران. فالمعركة لا زالت لم تنته بين الدولتين لكن الكفة تميل لصالح إيران، على حدّ تعبير الصحيفة. أما من جهة أخرى، فما زال المراقبون في انتظار ما سيقوم به الرئيس الجديد للولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي وعد بالحفاظ على استقلال بلاده في مجال الطاقة.